Tuesday, November 14, 2017

عبد الباسط العلموي، هنري سوڤير، ووصف دمشق


قراءةُ المخطوطات التاريخيّةِ القديمة والاستفادة منها متعذّرةٌ على غير الأخصّائييّن. الغالبيّةُ العظمى من الوثائق العربيّة مكتوبةٌ بخطّ اليد وتنقيطٍ منقوص، وتحتوي على العديد من المصطلحات التي طواها النسيان، ناهيك عن الأخطاء والهفوات الناجمة عن النسخ والسهو وعدم الإحاطة الشاملة بالموضوع قيد البحث. أضف إلى هذا وذاك أنّ كثيراً من هذه المخطوطات وصلتنا ناقصةً، وإن أمكن أحياناً تلافي النقص بمقارنة أكثر من نسخة لنفس الكتاب، مع التحفّظ بوجود فوارق في النسَخ المختلفة من نفس الكتاب لنفس المؤلّف.

المخطوطات باختصار مستعصيةٌ على أغلب الناس، ما لم تُحَقّق وتُفَسّر وتُطْبَع مع الحواشي والإيضاحات، تماماً كما هو الحال في تفسير الكتب المقدّسة، ليس فقط لفهم لغَتِها، وإنّما أيضاً لوضعِها في سياقِها التاريخي والنفسي.   

لا غنى لدارس تاريخ دمشق عن الكتب الثلاثة الآتية:

١. خطط دمشق لابن عساكر (القرن الثاني عشر للميلاد) : حقّقه الدكتور صلاح الدين المنجّد ونشره المجمع العلمي العربي عام ١٩٥٤، وترجمه Elisséeff إلى الفرنسيّة عام ١٩٥٩ مع خريطة لدمشق في القرن الثاني عشر بناء على معطيات ابن عساكر.

٢. الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة لابن شدّاد (القرن الثالث عشر للميلاد) حقّقه الدكتور سامي الدهّان ونشره المعهد الفرنسي للدراسات العربيّة عام ١٩٥٦. 

٣. تنبيه الطالب أو إرشاد الدارس في تاريخ المدارس لأبي المفاخر محيي الدين النعيمي الدمشقي (وفيّات ١٥٢١) موضوع بحث اليوم.

تعود أسبقيّة تدقيق وتمحيص وشرح ما وصلنا من عمل النعيمي والتعليق عليه إلى الفرنسي Henri Sauvaire (١٨٣١ - ١٨٩٦)، الذي نَشَرَهُ في Journal Asiatique تحت عنوان "وصف دمشق" بين الأعوام ١٨٩٤ و ١٨٩٦ متّبعاً المنهج الآتي:

اعتمد Sauvaire كنقطة انطلاق، ليس على مخطوط النعيمي الذي لم يكن في متناوله وقتها، وإنّما على "مختصر الدارس" لعبد الباسط العلموي (١٥٠١-١٥٧٣)، كما وصله عن طريق القاضي الشيخ محمود العدوي (وفيّات ١٦٢٠) الذي نقل "المختصر"، وأضاف إليه. نَسَخَ رمضان بن موسى العطيفي (وفيّات ١٦٨٣) مخطوط العدوي، وأتى بَعْدَهُ (عام ١٨٦٨) الشيخ محمّد سعيد وأرسلان بن حامد وابن هذا الأخير أديب لينسخوا مخطوط العطيفي. بعبارة ثانية تَرْجَم Sauvaire نسخةً من القرن التاسع عشر عن العطيفي (القرن السابع عشر)، عن العدوي، عن العلموي، أنّ النعيمي (مطلع القرن السادس عشر) قال! 

ذكر Sauvaire أربع نسخ من مخطوط العلموي: أحدها (الذي استند إليه) في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة، وإثنان في المكتبة البريطانيّة، ورابعة رآها السويسري Max Van Berchem في مكتبة ڤينّا، بيدَ أنّ المعلومات عنها محدودة. نوّه Sauvaire بحالة المخطوط السيّئة وكتابته الرديئة، ولحسن الحظّ استطاع مقارنتهُ مع مخطوط النعيمي الوحيد الموجود في أوروپّا آنذاك، والذي أتاح له الإطّلاع عليه المستشرق Schefer

"مختصر الدارس" على "اختصاره" عملٌ موسوعيّ يمتدُّ على مئات الصفحات، ومرجعٌ لا غنى عنه للمهتمّين بتاريخ دمشق. يؤخّذ على عمل Sauvaire عدم وجود فهرس للمواضيع أو الأبجديّة. تمّ تلافي هذا النقص بعد حوالي ستين عاماً من نشرِهِ - تحديداً عام ١٩٥٤ - على يد الآنسة إميلي عويشق ومعهد دمشق الفرنسي كما سنرى. 

للحديث بقيّة.  


No comments:

Post a Comment