Tuesday, January 23, 2018

دمشق ١٨٧٦



نعود مجدّداً إلى الطبعة الإنجليزيّة الأولى لدليل Baedeker، مع التركيز على مقالِها الطويل والغني عن دمشق. خريطة المدينة في الكتاب مأخوذة بتصرّف عن Porter الأعلى دِقَّةً، وأُدْرِجُ كليهما للمقارنة. الفروقُ بسيطةٌ ولكنّها هامّة: الخريطة الأصليّة تشمل مساحةً أوسع من ظاهر المدينة وهناك اختلاف طفيف في التسميات، منها أنّ باب الصالحيّة على الخريطة الأصليّة أصبح باب ساروجا على الخريطة المُعَدَّلَة. شبَّهَ الدليلُ المدينةَ بالملعقة، وحيّ الميدان "الذي يقطنه الفلّاحون فقط" بيد هذه الملعقة. عدد السكّان كما رأينا ١١٠٠٠٠، ولا يدخل في هذا الرقم ٧٠٠٠ يقطنون حيّ الصالحيّة شمال المدينة على سفح قاسيون. المياه من الآبار، ونهر بردى، الذي يحتوي على السمك، وفروعِهِ. هناك وصف لا بأس به لوادي بردى من دمّر (حيث تواجد قصرٌ لشمعايا أفندي وآخر للأمير عبد القادر) والهامة حتّى الزبداني التي بَلَغَ عددُ سكّانِها ٣٠٠٠ نصفُهُم مسيحيّون.

حاوَلَ الكاتِبُ تغطيةَ تاريخ المدينة منذ أقدم العصور مستعيناً للبدايات بكتاب العهد القديم. يحسن مقارنة السرد مع مراجعٍ حديثةٍ خصوصاً عن العهود الإسلاميّة حيث خبّص الدليل حتّى شبع بالأسماء والتواريخ والآثار: على سبيل المثال التكيّة السليمانيّة "بناها سليم الأوّل عام ١٥١٦"، وجامع درويش باشا "بُنِيَ في القرن السابع عشر"، عمر جوامع حيّ الميدان "على الأكثر قرن أو قرنين"، باني قلعة دمشق هو الملك الأشرف وهلمجرّا.  

لم تترك معالم المدينة لدى المؤلِّف أو المؤلِّفين الانطباع المأمول: "لا يوجد مباني أو آثار تستحقّ الذكر". مسلم دمشق "مغرورٌ ومتعصّب"، يعي دونيَّتَهُ تجاهَ الغرب المسيحي المتفوّق ويصبّ جام غضبِهِ على مسيحيّي بلادِهِ. ليس هذا بالمستغرب: لا زالت ذاكرةُ مجزرة ١٨٦٠ ماثلةً للعيان بعد ستّة عشر عاماً في أنقاض الحيّ المسيحي.

____________


- الإقامة: أفضل الموجود فندق دميتري القريب من مكتب العربات ديليجنس stagecoach وإن كان عمّالُهُ "سفهاء". هناك أيضاً hôtel des Voyageurs "السيِّئ" في باب توما. 

- المطاعم: Restaurant Peter في نهاية سوق الأروام قرب القلعة. 

- المقاهي: منها الواقعة شرق باب توما حيث يمكن شرب العرَق فيها والاستماع (وليس الاستمتاع) إلى الأغاني العربيّة "النشاز". 

- المصارفالبنك العثماني

- خدمات البريد والبرق متوافرة.

القنصليّات: أحد القناصل وقتها الدكتور ميخائيل مشاقة نيابة عن الحكومة الأمريكيّة، وإليهِ الفضل في إحصائيّاتٍ عن المدارس والكنائس والمؤسّسات الدينيّة وغيرها، استناداً إلى معطيات عام ١٨٤٨ . 

- الطبابة الحديثة: الدكاترة Nicora (فرنسي) و Biagini و Medana (طليان) و Nicolaki والأخير مدير المشفى العسكري. الأمراض السارية التي يتعيّن التحوّط ضدّها الرَمَد والبرداء (الملاريا) والزحار. 

- أحياء المدينة لها أبوابٌ تغلقُ ليلاً ويحرسها عميانٌ يعيشون على الصدقة. يتعيّن على من يريد السعي ليلاً أن يحْمِلَ فانوساً. الشحّاذون في المدينة قلائل. 

- لا يوجد ما يلفت الانتباه في معالم الحيّ المسيحي وكنائسِهِ التي أعيد بناؤها بعد ١٨٦٠. بالنسبة إلى المعالم الإسلاميّة هناك بالطبع حيّزٌ لا بأس به لجامع بني أميّة (سُمِحَ لغير المسلمين بزيارتِهِ في أعقاب حرب القرم (١٨٥٣ - ١٨٥٦). زار الكاتب قصر العظم (لقاء مال) المملوك من قِبَل أربع إخوة، وعرّج على خان أسعد باشا في البزوريّة، ونال جامع سنان باشا (المئذنة) استحسانَهُ، ووصف جامع الخرّاطين (المدرسة السيبائيّة) والدرويشيّة. زَعَمَ المؤلِف (صفحة ٤٦٧) أنّ عدد المدارس الدينيّة الإسلاميّة المتبقيّة لا يتجاوز الخمسة. هناك ذكرٌ لمقابر الدحداح والباب الصغير (مع "قبر فاطمة" بنت الرسول)، وجامع الصابونيّة، وموسم الحجّ (استغرقت الرحلة من دمشق إلى المدينة المنوّرة ٢٧ يوماً)، وجوامع منجك والجرّاح وضريح الشيخ رسلان، وسور دمشق وأبراج نور الدين والصالح أيّوب. أضاف الدليلُ أنّ المكوّنات العُلْويّة من السور حديثةٌ نسبيّاً، وبالتالي لا يعقل أن تكون النافذة التي اعتقدَ البعضُ أنّ القدّيس بولس أدلي منها هي الأصليّة. 

- أثارت أسواق المدينة بالذات اهتمامَ الكاتب، وهناك تفاصيل لا بأس بها أبداً عن سوق الخيل والسروجيّة والأروام (بخيّاطيهِ اليونان) حيث بيعت الخمور والمسكيّة، وخانات الحرير والتتن، وسوق العطّارين والسنانيّة والصاغة (نوعيّةُ المصاغ حسب المؤلّف رديئةٌ مقارنةً مع أوروپّا). لم يغفل الدليل قمر الدين والبرازق (صياح الباعة "الله الرزّاق يا برازق") والليموناضة المبرّدة بثلوج جبال لبنان والجلّاب والعرقسوس والخشاف وخبز التنّور والحبلاس والمسلخ في حيّ الميدان. حتّى شجرة الدلب مذكورة!  

الكتابُ باختصار وثيقةٌ تاريخيّةٌ فريدةٌ من نوعِها، وكنزٌ من المعلومات التي تغفر له لهجتَه العنصريّة في عدّة مواضع، خصوصاً وأنّ العنصريّةَ كانت دارجةً ومقبولة في القرن التاسع عشر. هناك الكثير من الأخطاء بالطبع، وليس من العدل الحكم عليها بمعايير العهد المعلوماتي. عدد الصفحات المخصّصة لدمشق ٣٠، تعادل بسهولة ١٠٠ إلى ١٥٠ صفحة في تعريبٍ بأحرفٍ سهلة القراءة. عدد صفحات الدليل ككلّ  ٦٠٠. 

No comments:

Post a Comment