Wednesday, October 16, 2024

أليكس الباسل ومآثره في قرطاج واليونان ومصر

 


طلّ هذا الفتى الأشقر علينا "من الشبّيك"، أي من صفحات مجلّة تان تان tintin في العدد الثامن والثلاثون من السنة الثالثة من طبعتها البلجيكيّة (السادس عشر من أيلول سپتمبر عام ١٩٤٨) والعدد الأوّل من الطبعة الفرنسيّة (الثامن والعشرون من تشرين ثاني أكتوبر لنفس العام). البطل غالي الأصل (نسبةً لبلاد Gaule كما دُعْيَت فرنسا قديماً) روماني الجنسيّة تجسّدت في شخصه الوسامة والشباب والذكاء والشجاعة والصدق والوفاء والنبل والإيثار والشهامة والقوّة والحكمة والإباء ووو، باختصار الصفات التي لا تجتمع إلّا في الكائنات الأسطوريّة وحواديت الأطفال. الشخصيّة من بنات أفكار الفنّان الكبير Jacques Martin الذي رسم Alix حتّى الثمانينات وكتب القصص والحوار حتّى مطلع القرن الحادي والعشرين. Martin من روّاد ligne claire الذي ابتكرته المدرسة البلجيكيّة وعلى رأسها Hergé و Jacobs. لا خلاف على جمال وإتقان رسوم Martin وإن كان تصوير النساء فيها ليس على المستوى المأمول إذ لا يراعي الفنّان الاستدارات ولا نسب الأكتاف والحوض التي تميّز المرأة عن الرجل: النساء لدى Martin رجال أقصر قامةً مع إضافة نهدين وحذف شعر الوجه. في كلّ الأحوال تأخّر دخول الأنثى إلى قصص أليكس حتّى الستّينات. مزيدٌ عن ذلك أدناه.


تعرّفت على أليكس للمرّة الأولى في ستّينات القرن الماضي تحت اسم "عماد" المستعار في مجلّة بساط الريح اللبنانيّة وازداد شغفي برواياته لاحقاً عندما صدرت tintin تان تان بالعربيّة اعتباراً من عام ١٩٧١ وأعدت قراءتها بالفرنسيّة فيما بعد. أكثر ما أحببته في هذه القصص الأزياء القديمة والعمارة الكلاسيكيّة وتنوّع الأقاليم التي زارها البطل وأسلوب المؤلّف في تصوير شخصيّاته الخياليّة في إطار تاريخ موثّق ووقائع لا يرقى إليها الشكّ. مات Martin عام ٢٠١٠ بيد أنّ السلسلة لقيت نجاحاً باهراً ولا تزال تصدر بانتظام إلى اليوم بفضل مساهمة فنّانين وكتّاب جُدُد.


حاز Alix على إعجاب وحبّ الجيل الصاعد في الشرق والغرب منذ ظهوره الأوّل قبل ستّاً وسبعين من الأعوام. لا أريد التقليل من مآثره ولا من موهبة من أبدعه. جلّ ما أبغيه لفت نظر القرّاء إلى بعض النواحي الأقلّ إيجابيّةً والتي لا يعيرها الكثيرون الاهتمام التي تستحقّه:



- أليكس بطل أوروپي بامتياز ويمثّل تفوّق "الغرب" على الشرق ويبرّر حتّى أخسّ أعمال الفاتحين وأكثرها همجيّةً. هاك مثلاً الصفحة الأولى من مغامرة "الجزيرة الملعونة" عندما انتصرت رومية في الحرب الفونيقيّة الثالثة ودمّرت "المدينة المتعجرفة" - أي قرطاج - عن بكرة أبيها. قد لا تلفت هذه العبارة القصيرة انتباه البعض ولكنّها بالتأكيد مقصودة بدليل عودة Martin إلى قرطاج للمرّة الثانية في مغامرة "القبر الإتروسكي" عندما قدّم أهلُها أطفالَهُم بالجملة قرابيناً بشريّةً لإلههم الشرّير مولوخ بعل أثناء تمرّد المرتزقة. هنا اقتبس Martin حِوارَهُ من رواية Gustave Flaubert الشهيرة Salammbô مع إضافة الصور طبعاً؛ وحتّى لا يبقى لدى القرّاء ذرّةٌ من الشكّ عن غباء القرطاجييّن ووحشيّتهم، يعود Martin للمرّة الثالثة إلى صنم مولوخ وهو يُلَقَّم الأضاحي التي يزدردُها فاغراً فيه الملتهب أثناء حصار قرطاج وتدميرها على يد Scipio Aemilianus في مغامرة "طيف قرطاج". الرسالة واضحة: الرومان متمدّنون وضحاياهم همج أوباش يستحقّون مصيرَهُم (مارس الرومان أنفسهم القرابين البشريّة تحت ظروفٍ معيّنة). 



- لا يوفّر Martin في ازدرائه اليونان كما نرى في مغامرة "الإسبرطي الأخير" التي تنتهي باستباحة وتدمير المدينة اليونانيّة. تظهر المرأة كإحدى شخصيّات القصّىة الرئيسة للمرّة الأولى في هذه القصّة بدور ملكة المدينة اليونانيّة التي وقعت بغرام أليكس وعرضت أن تجعله أميراً بيد أنّه رفض بإباء وشمم (قارن مع قصّة يوسف ابن يعقوب) وبالنتيجة قاد تمرّداً للعبيد ضدّها وساهمت مساعيه في خراب المدينة وإبادتها وذبح سكّانها على يد الرومان. بالرغم من كلّ ذلك - أو لربّما بسببه - ائتمنت الملكة أليكس على ابنها الوحيد "الإسبرطي الأخير"  قبل أن تعتكف في حرزها الذي التهمته النيران. 



- يتمتّع أليكس بجاذبيّة لا تقاوم للجنس اللطيف (وعلى الأرجح غير اللطيف أيضاً إذ يمكن استقراء كونه مَثَلي - أو ازدواجيّ التوجّه الجنسي - بين الأسطر في بعض المغامرات). رأينا كيف هامت به الملكة الإسبرطيّة ولكنّها أبعد من أن تكون الوحيدة. لا داعي لذكر أسماء وألقاب ومناصب من أحبَبْنَ البطل الغالي وأقتصر بالأحرى على مغامرة "أيّتها الاسكندريّة" والملكة المصريّة اليونانيّة الأصل كليوپاترا تخاطب أليكس وهو يستحمّ في الحوض عارياً: "أفسح لي مكاناً، ها هي الملكة تَضَع نَفْسَها عند قَدَمَيك".

No comments:

Post a Comment