Wednesday, January 31, 2018

تطوّر الهويّة اللبنانيّة



لا داعي للمبالغة في التركيز على فينيقبا ككيان جغرافي سياسي واضح العالم. واقع الأمر أنّها كانت مقسّمةً (١) إلى "مدن - دول" مستقلّة توسّعت غرباً إلى سواحل البحر المتوسّط (٢) مع اتّصال محدود للغاية مع الداخل: وضعٌ فرضتهُ الجغرافيا وسلستان جبليّتان كما رأينا. لا مبالغةَ في القول أنّ التبادل التجاري والثقافي بين الساحل الكنعاني ووادي النيل، فاق نظيرَهُ مع الداخل السوري. من الناحية اللغويّة سادت الآراميّة في سوريا والكنعانيّة في فينيقيا. تغيّر الحالُ في العهد الهلنستي، على الأقلّ في المدن، عندما طغت اليونانيّة لدى المثقّفين، وإن ظلّت لغةُ معظمِ الناس وخصوصاً في الأرياف محليّةً. بالنتيجة أزاحت الآراميّةُ أُخْتَها الكنعانيّة في الساحل.

ازدهرت سوريّا عموماً في العهد الروماني، وليست هذه السطور كافيةً لإعطاء معبد بعلبك ولا مدرسة حقوق بيروت حقَّها لا كثيراً ولا قليلاً، وبناء عليه فلنتجاوز بضعةَ مئاتٍ من السنين إلى القرن السابع الميلادي عندما هاجر شعبُ مسيحيٌ يدعى الجراجمة أو المردة يكتنف أصولَه الكثيرً من الغموض من الأمانوس إلى سوريّا، ومنها إلى جبل لبنان. اعتقدَ بعض المؤرّخين أنّ موارنة اليوم يتحدّرون من هؤلاء الجراجمة، وأنكر هذا الزعم البعضُ الآخر.  

مع الجراجمة ظَهَرَ جبل لبنان في رأي الدكتور فيليپ حتّي على  مسرح التاريخ كملجأ للأقليّات، وساهمت وعورةُ تضاريسِهِ في الحدِّ من من قدرة الدول والإمبراطوريّات المجاورة على إخضاعِ سكّانِهِ، إلى درجة أنّ معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان اضطرّا إلى دفع الجزية ليس لبيزنطة فحسب، وإنّما أيضاً إلى الجراجمة حتّى يتفرّغ الأوّل لنزاعِهِ مع علي بن أبي طالب وأشياعِهِ والثاني إلى حربِهِ ضدّ ابن الزبير.

انتشرت أقليّةُ ثانية في جبل لبنان في مطلع القرن الحادي عشر للميلاد عندما وجد مبشّرو الموحّدين (الدروز) استقبالاً أكثر حرارةً لدعوتِهِم فيه ممّا لاقوه في مصر، ومع الوقت أُضيفَ الطيف الدرزي إلى الشعب الآرامي اللغة والمورانة، ولعبت هاتان الطائفتان دوراً جوهريّاً في تاريخ لبنان منذ ذلك الحين. 

تغيّر توجّه الموارنة إبى الغرب اعتباراً من العهد الصليبي. يعود التعامل الماروني الصليبي إلى عهد البابا Innocent III في مطلع القرن الثالث عشر إن لم يكن أقدم من ذلك؛ بيد أنّ اتّحاد الكنيسة المارونيّة النهائي مع الكرسي البابوي تأخّر حتّى عام ١٧٣٦ عندما فُتِحَ البابُ على مِصْراعَيهِ للحمايةِ الفرنسيّة لكاثوليك الشرق الأدنى ورعايتِها لمصالِحِهم.

يعتبر الكثيرون الأمير الدرزي فخر الدين المعني الثاني (١٥٧٢ - ١٦٣٥) الباني الأوّل لدولة لبنان، وأنّ ما بناه كرَّسَهُ الأمير بشير الشهابي (٣)، مع التحفّظ أنّ هدفَ كليهِما كان اقتطاعُ مملكةٍ لهما ولذريّتِهِما على حساب الإمبراطوريّة العثمانيّة في عهد لا يعرف القوميّات (٤) لا في الشرق الأدنى ولا حتّى في أوروپّا. تعايشَ الدروز مع الموارنة في مودّةٍ وحسن جِوار، وكانت الخلافات قبليّة (قيسيّة ضدّ يمنيّة) وليست طائفيّة. ظلّ هذا الوضعُ سائداً حتّى ثلاثينات القرن التاسع عشر عندما استعان إبراهيم باشا بن محمّد علي وقائد جيوشِهِ في سوريّا بالموارنة لسحق عصيان الدروز في حوران، ممّا أثار ضغينَتَهم وأجّجَ عدداً من الفتن طائفيّة توّجتها مذبحةُ ١٨٦٠، التي خلقت القوى الأوروپيّة في أعقابِها متصرّفيّة جبل لبنان

شَهِدَ النصفُ الثاني من القرن التاسع عشر تزايدَ نشاطِ البعثات التبشيريّة الغربيّة في سوريّا عموماً، وما أصبَحَ لبنان لاحقاً خصوصاً، كما شَهِدَ النهضة الأدبيّة والفكريّة العربيّة التي تزعّمها عمالقةٌ من أمثال ناصيف اليازجي وبطرس البستاني.يخلطُ العروبيّون بين هذه الحركة الثقافيّة وبين "القوميّة العربيّة" التي ظلّت كميّةً مهملةً حتّى الحرب العظمى (١٩١٤ - ١٩١٨)، وكانت إلى درجةٍ كبيرة من بنات أفكار البريطانييّن وإن وَجَدَت صداها لدى العديد ممّن ركبوا موجة العروبة التي بلغت ذروتَها في خمسينات القرن العشرين، عندما تزاوجَ الفكر العروبي السوري مع القيادة الحماسيّة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. 

خَلَقَ الفرنسيّون لبنان الكبير بعد أن وضعت الحرب العالميّة الأولى أوزارَها بتأييد معظم اللبنانييّن (٥)، كما أكّدت بعثة King & Crane الأمريكيّة، وإن لم تجشّم المصادرُ العربيّةُ نَفْسَها عناءَ ذِكْرِ هذه الحقيقة، مكتفيةً بالإشارة إلى أنّ الغالبيّة العظمى من السورييّن رفضت الانتداب الفرنسي والمشروع الصهيوني رفضاً قاطعاً، وهذا طبعاً صحيح وإن لم يكن دقيقاً. 

سَبَقَتِ الإشارةُ إلى أنّ متصرفيّة جبل لبنان اقتصرت على الجبل ذو الأكثريّة المسيحيّة (٦)، بيد أنّ الفرنسييّن أرادوا تشكيلَ كيانٍ قابل للحياة من الناحيتين الاقتصاديّة والجغرافيّة، وبناءً عليهِ أضافوا المدن الساحليّة مع بيروت كعاصمة (٧)، كما ألحقوا البقاع وبعلبك مع أقضية راشيّا وحاصبيّا ومرج عيون. وعنى هذا إضافة ٢٠٠٠٠٠ نسمة إلى السكّان، معظمُهم من المسلمين. ارتأى الدكتور حتّي أنّ ما كَسِبَهُ لبنان في المساحة، خَسِرَهُ في التماسك أو اللحمة الإثنيّة. مع شديد الأسف أتت الحرب الأهليّة اللبنانيّة بعد عشرين سنة من صدور الكتاب دليلاً على أنّ الولاءات المذهبيّة والقبليّة فاقت الولاء للوطن. 

مع ذلك بدت الأموُر مشرقةً في لبنان في مطلع عهد الاستقلال، ويعودُ الفضلُ بالدرجةِ الأولى إلى التجارة والسياحة في وقتٍ لعب فيه هذا البلد الصغير دورَ صِلَةِ الوصل بين الغرب والشرق الأدنى، وحَرِصَ سياسيّوه على الموازنة بين السيادة الوطنيّة (التمسّك بخصوصيّة لبنان)، والتعاون مع الدول المجاورة (إرضاءً للمتعلِّقين بالهويّة العربيّة)، والحفاظ على علاقاتٍ وديّة مع الغرب. 

____________

١. عكس مصر التي وحَّدَها النيل وحَكَمَتَها قوّةٌ مركزيّةٌ بشكلٍ شبه مستمرّ منذ خمسة آلاف سنة.
٢. المثال الأشهر قرطاج مستعمرة صور في تونس الحاليّة. 
٣. اعتنق بشير الشهابي (١٧٦٧ - ١٨٥٠) المسيحيّةَ سرّاً.  
٤. القوميّات أو  الأمّة الدولة Nation-State. 
٥. المقصود باللبنانييّن هنا سكّان جبل لبنان وبالذات الموارنة. 
٦. بَلَغَ عددُ المسيحييّن (تقديرات عام ١٩١٣) ٣٢٩٠٠٠ من أصل ٤١٥٠٠٠. عدد الموارنة  ٢٤٢٠٠٠. 
٧. زاد عدد سكّان بيروت من أقلّ من ٥٠٠٠ عام ١٨٠٠ إلى أكثر من ١٢٠٠٠٠ عام ١٩٠٠!


Tuesday, January 30, 2018

هويّة سوريّة أم هويّة لبنانيّة؟



كما سبقت الإشارة حاول الدكتور فيليپ حتّي رسم الخطوط العريضة لتاريخ لبنان منذ أقدم العصور حتّى خمسينات القرن العشرين من خلال خمسمائة صفحة من القرائة الممتعة مع عددٍ لا بأس به من الصور والخرائط، كما حاول تقصّي تطوّر الهوية اللبنانيّة عبر آلاف السنين. هل هناك فعلاً هويّة لبنانيّة متميّزة ومتّحدة العناصر؟ يمكن طرح نفس السؤال فيما يتعلّق بالهويّة السوريّة: كِلا البلدين بحدودِهما الحاليّة، شئنا  ذلك أم أبيناه، صنيعةُ فرنسا واتفاقيّة سايكس پيكو الغنيّة عن التعريف. 

لبنان من الناحية الجغرافيّة البحتة هو جبل لبنان، الذي يشكّل القسم المركزي من جبال الساحل وتشمخ فيه أعلى قِمَمِها. هذه الجبال الساحليّة تستمرّ شمالاً بعد فجوة حمص (١) من جبال العلوييّن إلى الأمانوس، وجنوباً إلى الجليل عبر الضفّة الغربيّة لنهر الأردن نهايةً بسيناء. جبال "لبنان" الشرقيّة تشكّل بدورها القسم المركزي من سلسلة جبال الداخل الموازية لجبال الساحل، وتمتدّ شمالاً إلى القلمون ومعلولا وجنوباً إلى حرمون (أعلى قمّة في السلسلة الشرقيّة) مستمرّةً إلى شرق نهر الأردن وعجلون (أو جلعاد إذا اعتمدنا تسمية العهد القديم). بين السلسلتين وادي البقاع، أو ما سميّ قديماً Coele-Syria "سوريا الجوفاء" التي تمتدُّ جنوباً إلى نهر الأردن والبحر الميّت ووادي العربة. 

يعتدّ الكثيرون من اللبنانييّن بأصولِهِم الفينيقيّة؛ هذا مفهومٌ وعلى الرأس والعين مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الفينيقييّن هي التسمية التي أطلقها اليونانيّون على الكنعانييّن أوّلاً، وأنّ "فينيقيا" ليست مرادفةً لجبل لبنان بل هي جزءٌ من الساحل الذي يمتّد من أوغاريت وأرواد شمالاً إلى الشواطىء والسهول في فلسطين جنوباً. يترتّبُ على ذلك أنّ المدن "الفينيقيّة" شملت موانئ سوريّة - الكلام بالطبع عن سوريّا الحاليّة - إضافةً إلى جبيل وصيدا وصور، أمّا عن فلسطين، فقد تنازعها الكنعانيّونن والعبرانيّون (٢) والفلسطينيوّن (٣) والآراميّون. 

عندما نقول "آرام" فالمقصود سوريّا، بيد أنّ التوسّع الآرامي توقّف عند جبل لبنان، وإن حلّت اللغةُ الآراميّة محلَّ الكنعانيّة مع حلول القرن الثامن قبل الميلاد لتبقى سائدةً حتّى العصر الإسلامي عندما أزاحتها العربيّة بالتدريج. 

بغضّ النظر عن أي اعتبارات شوڤينيّة من مواطني لبنان أو سوريّا حاليّاً، لبنان الجغرافي والتاريخي هو جبل لبنان فقط (٤)، ولا يشمل سهول الساحل ولا البقاع ولا السلسلة الشرقيّة ولا حتّى سلسلة جبال الساحل التي يشكّل لبنان قسمها المركزي ليس إلّا. أمّا عن "فينيقيا" أو سهول الساحل الكنعانيّة فهي تمتدّ من أوغاريت شمالاً إلى فلسطين "أرض كنعان" جنوباً.  

للحديث بقيّة. 

____________

١. من يذكر "تهريب" بسكوت غندور عن طريق العريضة؟  
٢. العبرانيّون في نهاية المطاف قبائل كنعانيّة على الأقلّ لغويّاً. 
٣. المقصود بالفلسطينييّن Philistines هنا شعوب البحر التي غزت السواحل السوريّة ودمّرت أوغاريت وصيدا حوالي ١٢٠٠ ق.م.
٤. اقتصرت متصرفيّة جبل لبنان في القرن التاسع عشر عمليّاً على الجبل. 

Monday, January 29, 2018

لبنان في التاريخ



يمتاز أسلوب المؤرّخ الراحل فيليپ حتّي بالفصاحة والسلاسة والسهولة. كَتَبَ حتّي للأخصّائييّن والعامّة، وتنقَّلَ بمرونةٍ مدهشة من العامّ إلى الخاصّ وبالعكس. أُعيدَ طبعُ الكثيرِ من كتبِهِ عدّة مرّات ممّا جَعَلَها رخيصةً بالمقارنة مع الكتب الأكّاديميّة المحدودة النسخ، أضِف إلى ذلك أنّ معظمَها متوافرٌ بالمجّان على الشبكة للقراءة أو التحميل. 

موضوع اليوم كتاب لبنان في التاريخ الصادر عام ١٩٥٧. 

ليس تعريف لبنان ككيان جغرافي سياسي بأسهل من تعريف سوريّا. هويّةُ البلدين، خلافاً لمصر، حديثةٌ نسبيّاً. سوريّا أو بلاد الشام كمفهوم جغرافي قديمةٌ للغاية ما في ذلك من شكّ، بيدَ أنَّ حدودَها السياسيّة تبدّلت وتغيّرت إلى ما لا نهاية عبر القرون. لبنان التاريخي هو الجبل المعروف بهذِهِ التسمية، ويمكن دون عناء سلخ البقاع وبعلبك وعنجر والسهول الساحليّة مع مدنِها ومرافئِها عَنْهُ، كما حصل في القرن التاسع عشر في عهد المتصرّفيّة. الدكتور حتّي نفسهُ كان سوريّاً من الرعايا العثمانييّن قبل أن يهاجر إلى الولايات المتّحدة، وقبل أن تتحوّل الكليّة السوريّة الپروتستانتيّة (الإنجيليّة) إلى الجامعة الأمريكيّة في بيروت. يُفْهَم من أحد كُتُب حتّي "السوريّون في أمريكا" (١٩٢٤) أنّ اللبنانييّن مشمولون بهذه التسمية.

لكل إنسان الحقّ في تحديدِ هويّته. حاولَ حتّي في كتاب "لبنان في التاريخ"، في جملةِ ما هَدَفَ إليهِ، تقصّي تطوّر الهويّة اللبنانيّة من الكنعانييّن حتّى منتصف القرن العشرين.

للحديث بقيّة.  

Sunday, January 28, 2018

The Crops of Damascus



Ġūṭat Dimašq had largely vanished by the beginning of the twenty-first century. The following description reflects the situation of the Damascus green belt in the 1940s.

Ġūṭat Dimašq may be divided into several zones from most to least fertile:

Zone I is located north between the city and Mount Qāsīūn; it is dominated by an intensive agriculture of vegetables in the shadow of fruit trees. So rich is the soil that some peasants manage to reap their crops three times a year. We have the summer vegetables (tomato, zucchini, cucumber, pea, okra, eggplant, pepper, and asparagus) and the winter vegetables (cabbage, cauliflower, beet, leek, turnip, and carrot). The urban expansion has all but annihilated this zone since the publication of this work in 1946.

Zone II: the fruit trees (mostly apricot) persist, but cereals largely replace the vegetables. Poplar trees replace apricot on the humid banks of Baradā, and hemp grows in the maximally irrigated fields. 

Zone III is less favored by irrigation than the preceding two, and subsequently olive replaces the fruit trees while cereals are still grown in between. Apricot trees are to be found exclusively around canals in this zone. 

Lastly, the periphery—al-Marǧ—extends into the Syrian Steppe. Agriculture in this zone is limited to dry farming such as vines (٧ on the map) and cereals (<), which requires only sporadic irrigation.


Jacques WeulerssePaysans de Syrie et du Proche-Orient. Gallimard 1946.

Saturday, January 27, 2018

Three Rivers and their Ġūṭā



Three "rivers"—"streams" would perhaps be a more appropriate appellation—contribute to watering Ġūṭat Dimašq, the population density of which is the highest in Syria: Mnīn in the north, al-ʾAʿwaǧ in the south, and Baradā in between, the last being by far the most important of them all.

Shortly before entering Damascus at ar-Rabwā gorge, Baradā gives rise to its first "fan" of canalization: the Yazīd and Tōrā on the left bank and the Mazzāwī, Dārānī, Qanawāt, and Banīās on the right.

Just after it exits the city, Baradā emanates its second "fan": the ʿAqrabānī Canal (a continuation of Banīās that runs north of the Citadel adjacent to the ancient city's wall heading east), the Mulayḥī's, and the Dāʿīānī's. Those three canals subsequently divide into the third "fan," an innumerable network of brooks, each one of which is named after the village that constitutes its final destination. The "Zōr" is the basin of Baradā itself; it is the lowest and most fertile part of the oasis. Qanawāt and Banīās provide the city with water. The rest (Yazīd, Tōrā, Mazzāwī, and Dārānī) irrigate the surrounding lush gardens.

This distribution is minutely arranged using the "qīrāṭ," a ubiquitous system in the Near East that divides proportionally, a qīrāṭ being 1/24 of the whole. The reason is quite simple: the amount of water available varies widely from one season to the next, making the allocation of a fixed amount of water an impossible feat. The man in charge of supervising the canals, maintaining them, and opening and closing the distributors is called "šāwī," a profession—like many others—passed from father to son.

Concerning this elaborate irrigation system, no maps or historical documents of any worth existed prior to the era of the French Mandate. All available info was oral and handed from one generation of "šāwī" to the next.


Jacques WeulerssePaysans de Syrie et du Proche-Orient. Gallimard 1946.

Richard Lodoïs ThouminGéographie humaine de la Syrie centrale. Librairie Ernest Leroux, Paris 1936.



Friday, January 26, 2018

Ġūṭat Dimašq



Widely known as al-Ġūṭāthe Damascus Oasis, right until the middle of the twentieth century, had occupied an area of at least 8,000 hectares extending more than 25 kilometers in its greatest length parallel to the mountain ridge that still dominates its vestiges.

Ġūṭat Dimašq had from time immemorial been the richest agricultural land in Syria, if not in western Asia, according to the opinion of the French geographer Richard Thoumin. Several factors have combined over the last 70 years or so to destroy this earthly paradise; most importantly, an exponential population growth with a near-total absence of sound planning.

The damage to our biosphere is a worldwide phenomenon, caused by demographic growth along with a rise in individual and collective consumption. The average Syrian at the turn of the 21st century consumes much more than his ancestors had done a hundred years prior. Naturally, consumption level in the Third World, Syria included, is nowhere near that of Europe and North America, but the latter are far better endowed with natural and industrial resources. Europe, moreover, has succeeded in controlling population growth, and so have China and Japan.

The attached map is a sketch of Damascus' water resources, the most important of which is Baradā. This Abana of the Old Testament, or Chrysorrhoas, according to the Greeks, issues from the Anti-Lebanon mountain range, passes the Zabadānī plain, receives a bountiful boost from the waters of al-Fīǧā heading east, and enters Damascus at ar-Rabwā gorge.

Two more "rivers" contribute to a lesser extent in the irrigation of Damascus' gardens: Mnīn from the north waters the east Ġūṭā, and al-ʾAʿwaǧ in the south. The latter springs from the foot of Mount Hermon (the highest peak of the Anti-Lebanon), heads east, and sends a branch to the town of Dārayyā, southwest of Damascus. Dārayyā also gets part of its water from the Dārānī Canal, a branch of Baradā.


Jacques WeulerssePaysans de Syrie et du Proche-Orient. Gallimard 1946.

Tuesday, January 23, 2018

دمشق ١٨٧٦



نعود مجدّداً إلى الطبعة الإنجليزيّة الأولى لدليل Baedeker، مع التركيز على مقالِها الطويل والغني عن دمشق. خريطة المدينة في الكتاب مأخوذة بتصرّف عن Porter الأعلى دِقَّةً، وأُدْرِجُ كليهما للمقارنة. الفروقُ بسيطةٌ ولكنّها هامّة: الخريطة الأصليّة تشمل مساحةً أوسع من ظاهر المدينة وهناك اختلاف طفيف في التسميات، منها أنّ باب الصالحيّة على الخريطة الأصليّة أصبح باب ساروجا على الخريطة المُعَدَّلَة. شبَّهَ الدليلُ المدينةَ بالملعقة، وحيّ الميدان "الذي يقطنه الفلّاحون فقط" بيد هذه الملعقة. عدد السكّان كما رأينا ١١٠٠٠٠، ولا يدخل في هذا الرقم ٧٠٠٠ يقطنون حيّ الصالحيّة شمال المدينة على سفح قاسيون. المياه من الآبار، ونهر بردى، الذي يحتوي على السمك، وفروعِهِ. هناك وصف لا بأس به لوادي بردى من دمّر (حيث تواجد قصرٌ لشمعايا أفندي وآخر للأمير عبد القادر) والهامة حتّى الزبداني التي بَلَغَ عددُ سكّانِها ٣٠٠٠ نصفُهُم مسيحيّون.

حاوَلَ الكاتِبُ تغطيةَ تاريخ المدينة منذ أقدم العصور مستعيناً للبدايات بكتاب العهد القديم. يحسن مقارنة السرد مع مراجعٍ حديثةٍ خصوصاً عن العهود الإسلاميّة حيث خبّص الدليل حتّى شبع بالأسماء والتواريخ والآثار: على سبيل المثال التكيّة السليمانيّة "بناها سليم الأوّل عام ١٥١٦"، وجامع درويش باشا "بُنِيَ في القرن السابع عشر"، عمر جوامع حيّ الميدان "على الأكثر قرن أو قرنين"، باني قلعة دمشق هو الملك الأشرف وهلمجرّا.  

لم تترك معالم المدينة لدى المؤلِّف أو المؤلِّفين الانطباع المأمول: "لا يوجد مباني أو آثار تستحقّ الذكر". مسلم دمشق "مغرورٌ ومتعصّب"، يعي دونيَّتَهُ تجاهَ الغرب المسيحي المتفوّق ويصبّ جام غضبِهِ على مسيحيّي بلادِهِ. ليس هذا بالمستغرب: لا زالت ذاكرةُ مجزرة ١٨٦٠ ماثلةً للعيان بعد ستّة عشر عاماً في أنقاض الحيّ المسيحي.

____________


- الإقامة: أفضل الموجود فندق دميتري القريب من مكتب العربات ديليجنس stagecoach وإن كان عمّالُهُ "سفهاء". هناك أيضاً hôtel des Voyageurs "السيِّئ" في باب توما. 

- المطاعم: Restaurant Peter في نهاية سوق الأروام قرب القلعة. 

- المقاهي: منها الواقعة شرق باب توما حيث يمكن شرب العرَق فيها والاستماع (وليس الاستمتاع) إلى الأغاني العربيّة "النشاز". 

- المصارفالبنك العثماني

- خدمات البريد والبرق متوافرة.

القنصليّات: أحد القناصل وقتها الدكتور ميخائيل مشاقة نيابة عن الحكومة الأمريكيّة، وإليهِ الفضل في إحصائيّاتٍ عن المدارس والكنائس والمؤسّسات الدينيّة وغيرها، استناداً إلى معطيات عام ١٨٤٨ . 

- الطبابة الحديثة: الدكاترة Nicora (فرنسي) و Biagini و Medana (طليان) و Nicolaki والأخير مدير المشفى العسكري. الأمراض السارية التي يتعيّن التحوّط ضدّها الرَمَد والبرداء (الملاريا) والزحار. 

- أحياء المدينة لها أبوابٌ تغلقُ ليلاً ويحرسها عميانٌ يعيشون على الصدقة. يتعيّن على من يريد السعي ليلاً أن يحْمِلَ فانوساً. الشحّاذون في المدينة قلائل. 

- لا يوجد ما يلفت الانتباه في معالم الحيّ المسيحي وكنائسِهِ التي أعيد بناؤها بعد ١٨٦٠. بالنسبة إلى المعالم الإسلاميّة هناك بالطبع حيّزٌ لا بأس به لجامع بني أميّة (سُمِحَ لغير المسلمين بزيارتِهِ في أعقاب حرب القرم (١٨٥٣ - ١٨٥٦). زار الكاتب قصر العظم (لقاء مال) المملوك من قِبَل أربع إخوة، وعرّج على خان أسعد باشا في البزوريّة، ونال جامع سنان باشا (المئذنة) استحسانَهُ، ووصف جامع الخرّاطين (المدرسة السيبائيّة) والدرويشيّة. زَعَمَ المؤلِف (صفحة ٤٦٧) أنّ عدد المدارس الدينيّة الإسلاميّة المتبقيّة لا يتجاوز الخمسة. هناك ذكرٌ لمقابر الدحداح والباب الصغير (مع "قبر فاطمة" بنت الرسول)، وجامع الصابونيّة، وموسم الحجّ (استغرقت الرحلة من دمشق إلى المدينة المنوّرة ٢٧ يوماً)، وجوامع منجك والجرّاح وضريح الشيخ رسلان، وسور دمشق وأبراج نور الدين والصالح أيّوب. أضاف الدليلُ أنّ المكوّنات العُلْويّة من السور حديثةٌ نسبيّاً، وبالتالي لا يعقل أن تكون النافذة التي اعتقدَ البعضُ أنّ القدّيس بولس أدلي منها هي الأصليّة. 

- أثارت أسواق المدينة بالذات اهتمامَ الكاتب، وهناك تفاصيل لا بأس بها أبداً عن سوق الخيل والسروجيّة والأروام (بخيّاطيهِ اليونان) حيث بيعت الخمور والمسكيّة، وخانات الحرير والتتن، وسوق العطّارين والسنانيّة والصاغة (نوعيّةُ المصاغ حسب المؤلّف رديئةٌ مقارنةً مع أوروپّا). لم يغفل الدليل قمر الدين والبرازق (صياح الباعة "الله الرزّاق يا برازق") والليموناضة المبرّدة بثلوج جبال لبنان والجلّاب والعرقسوس والخشاف وخبز التنّور والحبلاس والمسلخ في حيّ الميدان. حتّى شجرة الدلب مذكورة!  

الكتابُ باختصار وثيقةٌ تاريخيّةٌ فريدةٌ من نوعِها، وكنزٌ من المعلومات التي تغفر له لهجتَه العنصريّة في عدّة مواضع، خصوصاً وأنّ العنصريّةَ كانت دارجةً ومقبولة في القرن التاسع عشر. هناك الكثير من الأخطاء بالطبع، وليس من العدل الحكم عليها بمعايير العهد المعلوماتي. عدد الصفحات المخصّصة لدمشق ٣٠، تعادل بسهولة ١٠٠ إلى ١٥٠ صفحة في تعريبٍ بأحرفٍ سهلة القراءة. عدد صفحات الدليل ككلّ  ٦٠٠. 

Monday, January 22, 2018

يهود فلسطين وسوريّا ١٨٧٦


كافّة المعلومات أدناه مأخوذة من الطبعة الإنجليزيّة الأولى لدليل Baedeker، وهو على علّاتِهِ أحد المصادر الهامّة عن بلاد الشام في حينِهِ. الأسطرُ التالية عرضٌ شديد الاختصار لخصائص أهمّ مدن المنطقة:

- عدد سكّان يافا ٨٠٠٠ نسمة ولا وجود يهودي فيها.

- الرملة مدينةٌ عربيّة تعود إلى العهد الأموي. 

- عدد سكّان القدس يتراوح حسب المرجع بين ٢١٠٠٠ إلى ٢٤٠٠٠، منهم ٤٠٠٠ إلى ٨٠٠٠ يهودي. يتعيّن هنا التنويه أنّ القدس آنذاك، شأنُها شأن سائر المدن الشاميّة، مختلفةٌ تمام الاختلاف عن القدس الحاليّة التي ابتلعت ضواحيها كما ابتلعت دمشق قراها. كثيرٌ من يهودِ القدس وفلسطين القرن التاسع عشر وحتّى مطلع القرن العشرين مهاجرين أوروپييّن (أشكنازيم) أتوا بهدف أن يموتوا ويُدْفنوا في أورشليم، وكثيرون منهم عاشوا بفضْلِ معونةِ أثرياء طائفتِهِم في أوروپا ومنهم أُسرتا Rothschild و Montefiore. الحالُ مختلفٌ بالنسبة ليهود دمشق وسوريّا الشماليّة ذوي الأصول الأندلسيّة (السفارديم) أو المحليّة (مزراحيم). أضف إلى ذلك أنّ نسبة اليهود في المدن لا تعكس مطلقاً نسبتَهم في البلاد التي شكّل القرويّون فيها الغالبيّة العظمى من السكّان. قَطَنَ يهودُ القرن التاسع عشر المدنَ بالدرجة الأولى. 

- عمّان بلدةٌ صغيرةٌ للغاية ما كان الدليل ليذكرها لولا أهميّتها في الكتاب المقدّس كعاصمة العمّونييّن Rabbath Ammon وفي العهد الروماني تحت اسم Philadelphia

- غزّة مدينةٌ كبيرة بَلَغَ عددُ سكّانِها ١٦٠٠٠ معظمُهم من المسلمين، وإن كانت موطناً لجاليةٍ هامّةٍ من المسيحييّن من الروم الأرثوذوكس. 

- سكّان حيفا ٤٠٠٠ نصفهم مسيحييّن ويهود. 

- عكّا ٨٠٠٠ نسمة، منهم ٥٦٠٠ مسلم دون تفاصيل ديموغرافيّة إضافيّة. 

- الناصرة ٦٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠ معظمُهم مسلمين مع أقليّة مسيحيّة هامة. لا ذكر لليهود في الناصرة ولا في كتاب العهد القديم. 

- طبريّا ٣٠٠٠ أكثر من نصفِهِم يهود. 

- صفد ٥٠٠٠ نصفُهُم يهود. 

____________

- بيروت مدينة تنمو بسرعة خارقة، ازدادَ عددُ سكّانِها حسب بعض المصادر من ٢٠٠٠٠ عام ١٨٥٠ إلى ٨٠٠٠٠ عام ١٨٧٥. أكثر من نصف سكّان المدينة ليسو بالمسلمين، وتزايد المسيحييّن يتجاوز تكاثر المسلمين. لا تفاصيل عن اليهود مع أنّ وجودَهُم في المدينة لا شكّ بِهِ. 

- زحلة مدينة كبيرة (١٥٠٠٠) مسيحيّة.

- طرابلس (مع المينا) ٢٤٠٠٠ منهم ٦٠ يهودي فقط. 

- أنطاكيا في ذلك الوقت مدينةٌ صغيرة (٦٠٠٠ نسمة) بعد الكوارث التي حلّت بها في العهد الصليبي؛ من المعروف أنّ الظاهر بيبرس أخذها عام ١٢٦٨ للميلاد وأعمل السيف في رقابِ أهلِها. 

- حلب ثاني أكبر مدينة سوريّة (٩٠٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠٠)، فيها ٤٥٠٠ يهودي و ١٦٠٠٠ مسيحي. انفتاح الشهباء على أوروپّا أكثر ممّا هو الحال في دمشق. 

- اللاذقيّة ٥ - ٦ آلاف منهم ١٠٠٠ مسيحي. 

- دمشق أكبر مدن سوريّا، عدد سكّانها (دون الصالحيّة) ١١٠٠٠٠، منهم ٥٠٠٠ يهودي. هناك أيضاً حفنة من اليهود في قرية جوبر شمال شرق دمشق وكنيسُها القديم معروفٌ ومشهور. دمشقُ موطن ١٢٠٠٠ مسيحي، ولكن ما فاجأني هو عدد "المتاولة" أي الشيعة الإثني عشريّة الذين قدَّرَهم الدليل بحوالي ٤٠٠٠. 

المقال القادم عن دمشق.  

Sunday, January 21, 2018

برمجة زيارة فلسطين وسوريّا ١٨٧٦



نعود إلى الطبعة الأولى لدليل Baedeker  بالإنجليزيّة عن كلّ ما يهمّ ويسهّل زيارةَ السائح الغربي إلى الديار المقدّسة من الألف إلى الياء. 

الخطوةُ الأولى بعد الوصول إلى أحد الموانىء تأمينُ المواصلات داخل البلد في عهد سَبَقَ دخول السكك الحديديّة إلى بلاد الشام. الطرق الصالحة للنقل والتنقّل على العجلات (١) موجودةٌ فقط بين يافا والقدس، ومن بيروت إلى دمشق؛ ترحالُكَ، باستثناء هاتين الحالَتَيْن على متون الدوابّ حكماً، وهنا لا مناص من اللجوء إلى خدمات المكري لتزويدِكَ بالبغال والخيول، ولا بأس بالتعطّفِ عليه وعلى عمّالِهِ بفضلاتِ طعامك إن رضيت عنهم وعن خدماتِهِم. الشخص الأهمّ في تنظيمِ رحلةٍ من هذا النوع الترجمان dragoman، الذي لا تقتصِرُ مهامُّهُ على الترجمة أبداً؛ الترجمان هو الدليل المسؤول عن تأمين الإقامة والمؤونة (الزوّادة) لقاءَ مالٍ يُتَّفَقُ عليهِ سلفاً، والواسطة في كثيرٍ من المعاملات مع أهل البلاد. النقد المصري غير مقبول في سوريّا خلافاً للنقد العثماني؛ أمّا عن العملات الأوروپيّة فعلى الرحب والسعة وإن لم تكن سواسيةً. معظم الصيرفيّة يهود، وعلى السائح الحذر، والتعامل إذا أمكن مع البنوك الأوروپيّة لتجنّب الغبن. المساومةُ مطلوبةٌ لأنّ التجّار المحلييّن (وعموم الشرقييّن) يتعاملون مع جميع الأوروپييّن كأنّهم يمتلكون مال قارون ويرفعون الأسعار للأجانب أضعافاً مضاعفةً. 

الإقامةُ تحت الخيام التي ترافق قافلة السيّاح، وهناك أيضاً بيوت الفلّاحين التي تعجّ بالبقّ والبراغيث، وخيام البدو التي تزخر بالقمل. أضِف إلى هذه وتلك العقارب التي لا يخلوا منها مكان، بما في ذلك قباب الأولياء، والبعوض في الأماكن الرطبة والآسنة. المطاعمُ بالمفهوم الغربي معدومةٌ أو تكاد، والخانات المملوءة بالهوام تصلح فقط للحيواناتِ وأصحابِها. الفنادق قليلةُ العدد، تقتصر على بعض المدن الكبرى، و غالباً ما تكون متوسّطة المستوى على أحسن تقدير. قمامة الشرق تتكفّل بها الكلاب الشاردة. البريد والتلغراف متوافِران في أماكن قليلة. تقتصرُ الطبابةُ الحديثة على القدس ودمشق وبيروت وحلب. يحتوي الدليل على نصائح مفيدة للتعامل مع الشحّاذين، وأفضل طريقة للتخلّص منهم عبارة "الله يعطيك". مع ذلك شجّعَ الكاتب الصدقة لبعض المستحقّين ومنهم المجذومين. 

اعتمَدَ الموجز التاريخي إلى درجةٍ كبيرة على الكتاب المقدّس، دون أدنى محاولةٍ لتحليلِ سَرْدِهِ، بَلْهَ التشكيك في مصداقيّتِهِ.  وَصَفَ المؤلِّفُ أو المؤلِّفون اليهودَ ليس فقط كأتباعِ ديانةٍ، وإنّما أيضاً كمجموعةٍ إثنيّة. عَنِ الآراء العنصريّة (٢) فحدِّث ولا حَرَج: صفحة ٨٤  "الأتراك أدنى من العرب فكريّاً"، وصفحة ٩٠ "محمّد مصاب بالصرع" (٣)، وثالثة الأثافي صفحة (٩٦) أنّ المسلمين لا يريدون للمرأة أن تصلّي. هناك مَعينٌ لا ينضب من هذه الدرر: أفتى البعضُ (صفحة ٩٧) بعدم جواز بلع اللعاب أثناء الصيام .... الدراويش والمجانين "محترمون للغاية" (صفحة ٩٨) .... الفنّ الإسلامي ينقصهُ التناغم وتفاصيلُهُ (صفحة ١٢١) متعبةٌ للبصر ... إلى آخِرِهِ.

للحديث بقيّة. 

____________

١. العربات التي تجرّها الخيول أو الديليجنس stagecoach. 
٢. بمقاييس اليوم.
٣. الإشارة هنا إلى أوقات نزول الوحي على النبي حسب السيرة الإسلاميّة.

Saturday, January 20, 2018

دليل فلسطين وسوريّا ١٨٧٦




تجمعُ الإنسانَ الغربي عموماً والأوروپّي خصوصاً مع الشرق الأدنى روابطٌ تاريخيّةٌ وثقافيّةٌ ودينيّةٌ غنيّةٌ عن التعريف، بدأت مع الإسكندر الأكبر، وتعاظمت مع اعتناق الغرب المسيحيّة، وعزّزتها الدوافع التجاريّة. أدّت هذه العلاقات بالنتيجة إلى تدخّلٍ عسكريٍّ مباشر كما في العهد الصليبي، وتُوِّجَ هذا التدخّل في القرن التاسع عشر الذي كان استعماريّاً بامتياز، تزامن في المنطقة مع ضعف وتقهقر الإمبراطوريّة العثمانيّة.  

ازداد عدد زوّار سوريا الغربييّن مع تطوّر وسائل الاتّصالات والمواصلات؛ منهم من أتى حاجّاً إلى الديار المقدّسة، ومنهم من جَذَبَتْهُ إلى المشرق الآثار، خصوصاً اليونانيّة والرومانيّة والصليبيّة، ومنهم الديپلوماسيّون والتجّار والمبشّرون. القاسم المشترك لكلِّ هؤلاء وكثيرٍ غيرهم حاجتُهُم إلى مرجعٍ بلغتِهِم موجّهٌ إلى العامّة، يعرّفهم على الشام، ليس فقط على معالِمِها التاريخيّة، وإنّما أيضاً مناخِها وجغرافيتها وطرقاتِها ومحطّاتِها وفنادِقِها (إذا وجدت) ومطاعِمِها وتراجمتِها وأدلّتِها وأكلافِ الرحلة بالعملة المحليّة و"الصعبة" إذا أمكن، وكثيرٍ غيرها من المعلومات التي لا غنى عنها للرحّالة في كلّ زمانٍ ومكان.  

لا تزال الأدلّة السياحيّة المحليّة إلى اليوم شديدةَ التقصير في هذا المضمار، ومتواضعةً إخراجاً ومضموناً، وبإمكانِ من يريد التحقّق مقارنة عدد الأدلّة المتوافرة عن أي مدينة أوروپيّة متوسّطة مع تلك المتعلّقة بدمشق أو أي مدينة سوريّة كبيرة. إذا كان هذا وضعُ اليوم فما بالك في القرن التاسع عشر؟ هنا تأتي أهميّة دليل Baedeker الذي صدرت طبعتُهُ الأولى بالألمانيّة عام ١٨٧٥، وتلتها الطبعة الإنجليزيّة الأولى (اضغط هنا للتحميل بالمجّان) عام ١٨٧٦ وأُعيدَ تنقيحُهُ وطباعتُهُ بالإنجليزيّة في الأعوام ١٨٩٤، ١٨٩٨، ١٩٠٦، ثمّ ١٩١٢(آخر طبعة).

فلنتعرّف على الطبعة الإنجليزيّة الأولى عام ١٨٧٦. الكتيّب صغير الأبعاد (١٦ x ١١ من عشيرات المتر)، سهل الحمل، وصغير الخطّ، يحتاج إلى عيونٍ شابّة (أو نظّارات مناسبة) وإضاءة جيّدة. الدليلُ غنيٌّ بالمعلومات إلى درجة كبيرة، لا بل مدهشة. عدد الصفحات ٦٠٠ ونيّف تنتهي بفهرس أبجدي شامل، ويُضاف إلى النصّ ١٨ خريطة و ٤٣ مخطّط (للمدن وبعض المعالم) وعشر صور. الصفحات من ١ إلى ١٢٦ مقدّمةٌ عن الطريقة المُثْلى لتخطيط الرحلة والإقامة، ومعلوماتٌ عن المناخ، والتضاريس، والحيوان والنبات، وتاريخ المنطقة منذ أقدم الأزمنة حتّى العام السابق للنشر، والتعريف بسكّانها بمختلف دياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم وفنونهم، ثمّ اللغة العربيّة (مع تزويد السائح ببعض العبارات "الجاهزة")، وأخيراً تعريف بالمراجع المتوافرة عبر العصور. زَعَمَ المؤلّف أو المؤلِّفِين أنّ المصدرَ الأفضل للمعلومات عن فلسطين هو الكتاب المقدّس، وهناك أيضاً روايات الرحّالة والمستشرقين عبر العصور من Arculf في القرن السابع الميلادي نهايةً بصندوق استكشاف فلسطين Palestine Exploration Fund في القرن التاسع عشر. 

للحديث بقيّة. 

Monday, January 15, 2018

تغلغل العرب في سوريّا قبل الإسلام: كنعانيّون وآراميّون وعبرانيّون



لا مجال لإنكار الخطوط العريضة لرواية العهد القديم، على الأقّل في الفترة التالية للخروج، وهذا بغضّ النظر عمّا إذا كانت الشخصيّات المذكورة في التوراة (موسى وإبراهيم) تاريخيّة أم وهميّة، ودون التعرّض لأقاصيص أو أساطير التكوين والطوفان وفلك نوح والعبور. يعود السببُ بكل بساطة إلى وجود مصادر خارجيّة تعزّزها وهذا ما ركّزَ عليه Dussaud في الفصل الأخير مِن دراستِهِ الكلاسيكيّة. 

ارتأى العالِم الفرنسي أنّ قصّةَ ترحالِ إبراهيم إلى أرض كنعان طبيعيّةٌ، تتّفق مع السياق التاريخي وانتقال سكّان الصحراء من البداوة إلى الاستقرار، وبالتالي أكثر مصداقيّةً بكثير من قصّة يشوع الذي فتح "الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً" بحدّ السيف، ودون أي دليل تاريخي يستحقّ الذكر خارج الكتاب المقدّس. اقتفى العبرانيّون في نهايةِ المطاف نَفْسَ طريق الكنعانييّن والآرامييّن وغيرهِم بالتغلغل في سوريّا وتبنّي لغةٍ محليّة وآلهةٍ محليّةٍ عُدِّلَت فيما بعد.

أقدمُ ذكرٍ تاريخي لإسرائيل في لوحة أو شاهدة مرنپتاح التي اكتُشِفَت في طيبة (مصر) عام ١٨٩٦. تعود هذه الشاهدة إلى أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وتَكْمُنُ أهميّتُها في ذكرٍ مُخْتَصَر مفادُهُ أنّ "إسرائيل دُمِّرت" في إحدى حملات الفرعون. مع ذلك لدينا معضلة وجود فجوة في السرد التوراتي بين عهد الآباء Patriarchs من جهة، ودخول العبرانييّن إلى أرض الميعاد كما جاء في العهد القديم من جهةٍ ثانية. المعلوماتُ المتوافرة عن سوريّا الجنوبيّة عموماً ودمشق الآراميّة وبني إسرائيل خصوصاً خلال القرون الفاصلة بين انحطاط الإمبراطوريّتين الفرعونيّة والحثيّة حوالي ١٢٠٠ ق.م. وصعود الآشورية في القرن التاسع في المصادر غير الدينيّة شِبْهُ معدومةٍ. ما الحلّ؟

تتلاشى هذه الصعوبة في رأي Dussaud، إذا قبلنا أنّ الهيكسوس كنعانيّون، وأنّ العبرانييّن قبيلةٌ كنعانيّة دَخَلَت مصر مع الهيكسوس (١) وطُرِدَت مِنْها مَعَهُم (٢)، وما قصّة يوسف إلّا صدى للوجود الكنعاني في مصر؛ يترتّبُ على هذا التحليل أنّ تغلغل بني إسرائيل في أرض كنعان بعد طرد الهيكسوس كان بمثابةِ دخولِهِم الثاني إلى أرض الميعاد.   

سبقت الإشارة أنّ اللغةَ العبريّةَ كنعانيّةُ الأصل، ليس ذلك فحسب: حتّى الديانة اليهوديّة تطوّرت من عبادة إيل إلى يهوه في إسرائيل (٣)، وحتّى طقوس التضحية العبريّة كنعانيّة المنشأ. تمايز العبرانيّون عن الكنعانييّن بالنتيجة وكان الفرقُ بالدرجةِ الأولى جغرافيّاً (٤) وزمنيّاَ (٥).

عزّزت معطيات التنقيب في أوغاريت استنتاجات Dussaud، وتبيّن من نصوص رأس شمرا (٦) أنّ "يهوه" أقدم من العهد المفترض لموسى، وهنا تتوجّب الإشارة إلى كونِ لغة أوغاريت (٧) الكنعانيّة أقرب اللغات الساميّة إلى العبريّة؛ كتاباتُ العهد القديم إذاً أقدم بكثير ممّا اعتقدنا. 

____________

١. أسماء الهيكسوس إمّا كنعانيّة بالكامل أو مستعارة من مصر. 
٢. هذا لا يعني أنّ جميع الهيكسوس - الكنعانييّن تركوا مصر.
٣. بينما تطوّرت إلى بعل لدى الكنعانييّن. 
٤. انتشَرَ الكنعانيّون شمالاً إلى لبنان وأرواد وأوغاريت، بينما بقي الإسرائيليّون في "أرض كنعان" أو ما يسمّى حاليّاً إسرائيل أو فلسطين.
٥. تأخّر العبرانيّون عن الكنعانييّن في الانتقال من البداوة إلى التحضّر.
٦. في كتابات أوغاريت الكثير ممّا يطابق أدبيّات وقوانين الكتاب المقدّس، علاوةً على تشابه ملحوظ مع المزامير بالذات.
٧. دُمِّرَت أوغاريت حوالي ١٢٠٠ قبل الميلاد. 



تغلغل العرب في سوريّا قبل الإسلام: آلهةُ قريش والآيات الشيطانيّة



سوريّا بحدودها السياسيّة الحاليّة خليقةُ فرنسا والنصف الأوّل من القرن العشرين، بيد أنّ سوريّا الجغرافيّة، أو بلاد الشام، قديمةٌ قِدَم التاريخ، تارةً شكّلت إقليماً (أو أقاليماً) في إمبراطوريّة، وطوراً مجموعةً من الدويلات المتنافسة إن لم نقل المتناحرة والمتقاتِلة. اعتَقَدَ Dussaud أنّ هدفَ السورييّن لم يكن يوماً وحدةً سياسيّة، وأنّ صراعَهُم مع رومية وبيزنطة كان بالدرجةِ الأولى دينيّاً، وفي نهاية المطاف انتصرت الآلهةُ السوريّةُ على الرومانيّة واعتنق الرومان المسيحيّة. 

ليس الدينُ الإسلامي صحراويّاً، على الرغمِ من بداياتِهِ العربيّة واعتمادِهِ التقويم الهجري القمري (١)، ويعلم جميع من دَرَسِ تاريخَ الإسلام أنّ مركزَ ثقلِ الدين الجديد كان دوماً في المدن، والكبرى منها خصوصاً بدلالة المساجد والمدارس والزوايا والأربطة وأماكن إقامة العلماء والفقهاء. تأخّرت أسلمةُ الأرياف وساهَمَ في ذلك عدّةُ عواملٍ اقتصاديّة وثقافيّة وتراثيّة.

المعلوماتُ المتوافرة عن آلهة قريش قبل الإسلام محدودةٌ ،أغلبُها من مصادرٍ إسلاميّةٍ لاحقة. أحد أهمّ وأشهر هذه المصادر "كتاب الأصناملابن الكلبي (وفيّات ٨١٩ للميلاد). استنتجَ Dussaud من استقراءِ المراجع أنّ رسالة محمّد لم تكن توحيديّةً بالكامل منذ البداية، وأنّها مرّت من الشرك Polytheism إلى التوحيد Monotheism مع احتمال عبورِها لمرحلة Henotheism (٢) بينَهُما. ذكرت النصوص الصفائيّة الله قبل الإسلام بخمسة أو ستّة قرون (٣)، ولكن لا دليل أنّ الصفائيّين أو غيرهم مثّلوه بصنمٍ، وإن أثار المؤلِّف احتمال كون الحجر الأسود في الكعبة رمزاً لله bétyle لدى البعض، وعلّ هذا يفسّر الاهتمامَ الخاصّ الذي أحاط به محمّد والمسلمون هذا الحجر. 


بالرجوع إلى ترتيب آيات القرآن حسب تسلسلِها الزمني، بناءً على دراسات المُسْتَشْرِق الألماني Nöldeke، استنتجَ البعضُ أنّ إصرارَ محمّد على عبادة الله وحْدَهُ (٤) جاءَ في مرحلةٍ لاحقة؛ يتعيّن في هذا السياق الإشارة إلى الآيتين ١٩ و ٢٠ من سورة النجم "أَفَرَأَيْتُمُ اڵَّاتَ وَالْعُزَّىٰ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ"، والفقرة اللّاحقة المحذوفة "تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى". إذا قَبِلْنا هذه "الآيات الشيطانيّة"، فهذا يعني أنّ محمّداً وضع اللّات، مع أقانيمِها العزّى ومناة، في مرتبةٍ تحت الله، ولكن مع الاعتراف بألوهيّتها أو على الأقلّ قدسيّتِها. غنيٌّ عن الذكر أنّ الغالبيّة الساحقة من كَتَبَة الإسلام يرفضون الاعتراف بهذه الإضافة على النصّ المقدّس، ولكنّها مذكورة في الواقدي والطبري وابن سعد، مصادرٌ تجاوزَ عُمْرُها ألفاً من الأعوام.

أخيراً هناك حالة الإله هُبَل وهو صنم على شكل إنسان دَخَلَت عبادتُهُ من شرق الأردن إلى مكّة في القرن الثالث الميلادي لتنافس العبادة الأقدم للحجر الأسود. اندثرت عبادةُ هُبَل مع انتصار الإسلام ولا يزال الحجرُ الأسود موضعَ احترامٍ إلى اليوم.

للحديث بقيّة.

____________

١. التقويم القمري غير مناسب للمجتمعات الزراعيّة والريف تحديداً. 
٢. الإيمان بإله قبلي واحد مع التسليم باحتمال وجود إله أو آلهة غيره كما في حالة موسى والعبرانييّن. 
٣. الله = بل أو ربّ السماوات بعلشمين
٤. عوضاً عن الاكتفاء بتمجيدِهِ ورفعِهِ فوقَ بقيّة الآلهة. 


Sunday, January 14, 2018

تغلغل العرب في سوريّا قبل الإسلام: الأنباط والتدمريّون



نتابع قصّة هجرات القبائل العربيّة (١) من شبه جزيرة العرب إلى الهلال الخصيب (٢) كما رواها المستشرق الفرنسي Dussaud، وهنا يتوجّب التنويه أنّ الموضوع قيد البحث ليس تاريخ الأنباط ولا التدمرييّن، باستثناء القسم المتعلّق بعمليّة انتقالِهِم من البداوةِ إلى الاستقرار مع تركيزٍ على بعض خصائصهم، خصوصاً لغتهم وآلهتهم.

تكفي نظرةٌ إلى الخريطة الملحقة لنرى أنّ سوريّا ما هي إلّا امتداد جغرافي لشبه الجزيرة العربيّة، أمّا لماذا كانت الهجرات من الجنوب إلى الهلال الخصيب وليس العكس، فالسبب بكل بساطة غياب مغريات الاستيطان في جزيرة العرب في عهد لم يعرف النفط، باستثناء بعض المناطق كاليمن السعيد مثلاً، وحتّى هذا الأخير كان جبليّاً وبعيداً ومكلفاً للغاية للفاتحين من الرومان إلى العثمانييّن. تناسَبَ الانتقالُ من البداوةِ إلى الاستقرار طرداً مع استتباب الأمن وقوّة الدولة كما في العهد الروماني، وعندما ضَعِفَ المركز وتكاثرت الصراعات المحليّة والغزوات الأجنبيّة (٣) حَصَلَ العكس، وهَجَرَ الفلّاحُ أرضَهُ ليصبح بدويّاً متنقّلاً. 

____________

تعاظمت قوّة الأنباط مع انحطاط الدولة السلوقيّة، وضمّ ملكُهُم الحارثة الثالث دمشق عام ٨٥ قبل الميلاد وتطوّر في المدينةِ حيٌّ نبطي شرق شارع باب توما الحالي. امتدّت دولة الأنباط في أقصى اتّساعِها من الحِجْر (٤) جنوباً مروراً بالعاصمة پترا (٥) إلى بصرى ودمشق شمالاً، وأوكَلَ إليهمُ الرومان مهمّة حراسة الصحراء (٦)، وسمح لهم Pompey (٧) بالاحتفاظ بدمشق لقاء جزية، وبالنتيجة اصطنع الإمبراطور Trajan إقليم Arabia (٨)، المتمركز على بصرى أو Bostra وانتهى استقلال الأنباط. 

الأنباطُ تجّارٌ تكلّموا العربيّة والآراميّة، وتبنّوا هذه الأخيرة واشتقّوا أبجديّتَهُم منها. الكتاباتُ النبطيّة مرحلةٌ انتقاليّةٌ إلى العربيّة، أمّا عن آلهة الأنباط فعلّ ذو الشرى أهمُّهُم. مع انحطاط الأنباط انتقلت مهمّة "پوليس الصحراء" إلى تدمر، ومن ثمّ الحيرة، وأخيراً الغساسنة. أصبحت اللغةُ العربيّةُ رسميّةً في عهد ملوك الحيرة (٩)، وإن احتفظ هؤلاء بالكتابة النبطيّة. تلاشت الكتابات العربيّة الجنوبيّة (١٠) بعد الفتح الإسلامي باستثناء الحبشيّة. 

____________

يعود ذكر تدمر لمطلع الألف الثاني قبل الميلاد. تبنّت المدينةُ (١١) الآراميّةَ (١٢) عوضاً عن العربيّة بهدف التجارة، واستعملت أيضاً اليونانيّة، أمّا عن آلهتها فمنها التدمريّة المحليّة ومنها السوريّة والعربيّة (١٣). أهمّ الأرباب ثالوث بل (بليرحبول - عجل بعل) وهو من وَحْيٍ بابلي ولا علاقة له مع بعل؛ هناك أيضاً ثالوث بعلشمين (بعلشمين - عجل بعل - ملاك بل). قصّة أذينة وأرملته زنوبيا ومحاولتها الاستقلال عن رومية وهزيمتها وتدمير المدينة عام ٢٧٣ للميلاد على يد Aurelian أكثر من معروفة ولا داعي لتكرارها في هذه الأسطر.

باختصار نَجَحَ الأنباطُ والتدمريّون (١٤) في الانتقال من البداوةِ إلى الاستقرار، لا بل وازدهرت مُدُنُهُم لفترةٍ طويلةٍ في قلبِ بادية الشام بفَضْلِ تجارتِها ومواقِعِها الاستراتيجيّة على طريقِ القوافل.


للحديث بقيّة. 

____________

١. أي التي لا تزال في مرحلة البداوة. 
٢. مصطلح "الهلال الخصيب" يعود إلى المؤرّخ والآثاري الأمريكي James Breasted.
٣. كما في عهد الانحطاط العبّاسي وما تلاهُ. 
٤. مدائن صالح (بين المدينة وتبوك).
٥. اكتشف السويسري Burckhardt پترا عام ١٨١٢. 
٦. أي حماية الحضر من البدو. 
٧. فَتَحَ أو ضمّ Pompey سوريّا إلى الإمبراطوريّة الرومانيّة عام ٦٤ قبل الميلاد. 
٨. المقاطعة العربيّة أو الپتراء العربيّة عام ١٠٦ للميلاد. 
٩. اللخمييّن أو المناذرة. 
١٠. الصفائيّة مثلاً. 
١١. شأنها شأن دمشق والأنباط. 
١٢. بالأبجديّة التدمريّة. 
١٣. اللات مثلاً. 
١٤. هناك أمثلةٌ أقلُّ شهرةً.