Saturday, April 30, 2016

جرترود بلّ في سورّيا



جرترود بلّ (١٨٦٨-١٩٢٦) رحّالة ومستشرقة إنجليزيّة تكلّمت عدّة لغات، بما فيها العربيّة. زارت بلّ سوريّا اعتباراً من عام ١٨٩٩ انطلاقاً من فلسطين والقدس جنوباً، ونهايةً بأنطاكيا واسكندرون شمالاً، متنقّلةً على ظهور الدواب  بصحبة أدلّةٍ من أهل البلاد. صدرت الطبعةُ الأولى من كتابِها "الصحراء والأرض المزروعة" عام ١٩٠٧. أعيد طبع الكتاب عدّة مرّات وهو متوافرٌ للتحميل بالمجّان. 

ركّزت بلّ - شأنها في ذلك شأن معظم المستشرقين من أوروپّا وأمريكا آنذاك - على الآثار الرومانيّة واليونانيّة والمسيحيّة، والتقطت العديد من الصور النادرة خلال ترحالها، بيد أنّها كرّست جلّ اهتمامها للناس الذين قابلتهم، من كبار السياسييّن ورجال الدين إلى الأشخاص العادييّن، متوخّيةً الحرص في تحديد هوّيِتهم الدينيّة والطائفيّة واللغويّة والإثنيّة.

الكاتبة فخورةٌ ببلادها ، لا تتردّد في الإدلاء بآرائها السياسيّة، وترى - في مقدّمة الكتاب - أنّ إنجلترا هي الأكثر جدارة في الأخذ بيد سوريّا على طريق التقدّم والازدهار. عاصرت بلّ بدايات الحركة العروبيّة (صفحة ١٤٠) وصرّحت دون مواربة بعدم وجود أمّة عربية، وأنّ التاجر السوري أقرب إلى العثماني منه إلى البدوي، وأنّ الجيش العثماني، الذي عُرِفَ عن جنودِهِ، على بؤسِهم وفقرِهم، بسالتهم في القتال إلى النهاية، هو الوحيد الذي يمنع الناطقين بلغة الضاد من الانقضاض بعضهم على البعض الآخر.

تبدأ بلّ سَرْدَها في القدس، ومنها إلى شرق الأردنّ، ثم حوران وجبل الدروز إلى دمشق، حيث قابلت الوالي ناظم باشا (١٨٩٧-١٩٠٦) في بيتِهِ الجديد الباذخ على الطراز الأوروپّي في المهاجرين، ونوّهت بإطلالة شرفَتِهِ على بساتين الغوطة. تبادلت بلّ الحديث مع ناظم باشا بالفرنسيّة كونهُ لا يتكلّم العربيّة. تعرّضت المؤلّفة أيضاً إلى قرينة الوالي الشركسيّة وأولاده الذين تلوا أمامَها بعض القصائد الفرنسيّة، والعبد الأسود الصغير الذي وقف مبتسّماً لدى الباب. 

اجتمعت بلّ في دمشق مع الشيخ حسن النقشبندي، والأمير الدرزي العثمانيّ الهوى (في ذلك العصر) والناطق بالفرنسيّة شكيب أرسلان، وثلاثة من أنجال الأمير عبد القادر الجزائري: علي وعمر وعبد االله (الأخير ابن عبد القادر من عبدةٍ سوداء).

من دمشق إلى بعلبك ولبنان، ثمّ حمص والساحل السوري، إلى حماة التي سيطرت عليها وقتها أربع أسر: العظم، البرازي، الكيلاني، طيفور، ومنها إلى أفاميا وقلعة المضيق، ثمّ حلب حيث قابلت الوالي الشركسي كاظم باشا، فقلعة سمعان إلى أنطاكيا واسكندرون.

كلّ هذا لا يتعدى الخطوط العريضة لحوالي ٣٥٠ صفحة مزيّنة بالعديد من الصور الضوئيّة التاريخيّة التي لا تقدّر بثمن. 


No comments:

Post a Comment