العنوان ليس لي ولكنّه مقتبس عن كتاب عميد الصحافييّن المصرييّن والعرب الراحل محمّد حسنين هيكل عن خلفيّات وتداعيات انفصال سوريّا عن مصر إثر انقلاب عبد الكريم النحلاوي في مطلع خريف ١٩٦١.
عاشت سوريّا بين ٢٠١١ و ٢٠١٤ كابوساً رهيباً واليوم أفهم تماماً أن يتنفّس الكثيرون الصعداء آملين في مستقبلٍ أفضل وأرحم بعد زوال الغمّة. ما يصعب عليّ فهمه أو تفهّمه هي مظاهر الفرح والابتهاج والزينات وتوزيع الحلويّات. هل هناك بالفعل ما يدعو لهذا التفاؤل؟ تعيش سوريّا اليوم في خرابٍ ويبابٍ وتخبّط وقد تغيّرت صورتها حتّى أصبحت لا تمتّ إلى الماضي بصلة (عبارة مستعارة من وصف Churchill لوضع روسيا في أعقاب الحرب العظمى). الفيلم الذي نشاهده اليوم مكرّر ومعاد إلى درجةٍ تثير السأم والضجر في الشرق الأدنى عموماً وسوريّا خصوصاً خلال المائة عام الأخيرة مع تفاوت الظروف والأسباب ومبلغ العنف والدمار وسفك الدماء. هاكم وهاكنّ بعض الأمثلة من كتبنا الرسميّة وشبه الرسميّة:
- كيف عمّت النقمة البلاد و"اندلعت" الثورات ضدّ الانتداب الفرنسي (وقبله "الاستعمار العثماني").
- ثورات البطل إبراهيم هنانو، البطل صالح العلي، البطل سلطان الأطرش، البطل فوزي القاوقجي وهلمّجرّا.
- كيف "هبّ الشعب العربي في الثامن من آذار وأطاح بحكم الانفصال الفاسد" (عن أسامة مجلّة الطفل العربي).
- "الحركة التصحيحيّة" وما قبلها وما بعدها.
- "الربيع العربي" وكوابيسه.
هناك أكثر من سؤال يستحقّ الطرح:
السؤال الأوّل من الذي أطاح بنظام البعث ؟ (الأسد إذا شئنا)
لربّما كان الثوار و"هيئة التحرير" هي الأداة المنفّذة بيد أنّ التخطيط والتمويل والتسليح والدعم الجوّي والحصار الاقتصادي والسياسي خارجيّة. لا يزيد دور "بتع" الثوّار و"المقلاع" في قلب النظام عن دوره في "صدّ فرنسا" مهما كانت الأهازيج والأناشيد والأغاني الحماسيّة والوطنيّة واللغة القديمة والكتب القديمة (بالإذن من نزار قبّاني و"هوامش على دفتر النكسة").
السؤال الثاني لماذا أُطيح بالنظام؟
سيّئات البعث في الستّين سنة الماضية موجودة حتماً وكثيرة وفاضحة ولكنّها لم تكن العامل الأساسي في سقوطه وليس القرّاء بحاجةٍ لرأيي لمعرفة أنّ حريّة وديموقراطيّة ورخاء العرب والسورييّن آخر هموم الغرب. سقوط الحكم بكل بساطة عائد أوّلاً وأخيراً إلى تشبّثه ببعض القضايا الأثيرة على قلوب الغالبيّة العظمى من السورييّن (فلسطين والجولان أوّلها) وبغضّ النظر عن دوافِعِهِ من هذا التشبّث - الذي كلّفه سلطته ونفوذه وبالنتيجة حياته - وجديّته في النضال في سبيله. كثيرةٌ هي التهم التي تُلْصَق بالنظام المندثر اليوم والتي يمكن تبويبها تحت عنوان "عندما تقع البقرة بيكترو دبّاحينها".
السؤال الثالث ما الذي سيحلّ محلّ النظام؟
لا أعرف ولا أعتقد أنّ أحداً اليوم يعرف وإن توافرت بعض النماذج:
- النموذج المصري: تغيير الوجوه والحفاظ على الجوهر.
- النموذجان العراقي والليبي: تقسيم بالفعل ونزاعات داخليّة مسلّحة لا تنتهي.
- الحريّة المنشودة والديموقراطيّة الموعودة. لا يعرف الشرق الأدنى إلى اليوم لا هذه ولا تلك ولكن من يدري؟
- النموذج الخليجي: يحتاج لثروة نفطيّة وحماية غربيّة غير محتملة في سوريّا في المستقبل المنظور.
أختم بسلسلةٍ من التساؤلات الأقرب ما تكون إلى الأماني:
١. هل سينسحب الأمريكيّون من شمال شرق سوريّا ويتركون للبلد المنكوب جزيرته وحنطته ونفطه؟ طالبت الحكومة العراقيّة الولايات المتّحدة منذ عهد ليس بالبعيد أن تسحب قوّاتها وكان ردّ الرئيس Trump أنّه يتعيّن على العراق أوّلاً أن يعوّض أمريكا عن أكلاف "تحريره"!
٢. هل سيتكرّم الأتراك بحصّة من مياه الفرات؟ هناك في أنقرة من يطالب بحلب!
٣. هل يقبل الأكراد الانضواء تحت لواء الحكومة الجديدة؟
٤. هل يستثمر القادة الجدد للعالم العربي في الدوحة والرياض في إعمار سوريّا نصف المقدار الذي وظّفوه في تمويل الفتن فيها؟
٥. هل سيتوقّف جيران الشام في الجنوب والغرب عن قصفها؟ ومتى؟
٦. هل يبدي الثوّار مهارةً وكياسةً في إدارة البلد (هدف سوقي) تعادل أو تقارب بسالتهم في الحرب (أساليب تعبويّة)؟ هل يستطيعون الاتّفاق مع بعضهم بعضاً وبناء تفاهم معقول مع سائر المكوّنات السوريّة؟
لا أدري مدى قدرة المسؤولين الجدد على طرح هذه الأسئلة صراحةً ومحاولة الإجابة عليها وإلى أن يحصل هذا أعتذر عن المشاركة في "قطار الفرح" الجديد والمهرجان العامّ.
No comments:
Post a Comment