أصاب الإرهاق والإحباط الغالبيّة العظمى من السورييّن في حربٍ لا نهاية لها ونزيفٍ مادّي وبشري تجاوز ثلاثة عشر من الأعوام. الوضع اليوم يشبه إلى حدٍّ ما نظيرَهُ في أوروپّا بعد الحربين العالميّتين عندما تملّك شعورٌ بالانفراج والخلاص الشعوبَ المهزومةَ والمنتصرة على حدٍّ سواء بغضّ النظر عن الاحتفالات الرسميّة وغير الرسميّة في البلدان الظافرة ومظاهر الحداد في أوطان المندحرين.
من السورييّن اليوم من عارض النظام البائد طيلة عمره ومنهم من أيّده مدى حياتهِ ومنهم من لا ناقة له ولا جمل في الصراع على السلطة ويتلخّص طموحه بانتهاء الكابوس بشكلٍ أو بآخر (الأكثريّة في رأيي). الفئة الرابعة والأخيرة هي الملوّنين والانتهازييّن ممّن يبدّلون ولاءاتهم كما يغيّرون سراويلهم. يبقى السؤال الأهمّ في نهاية المطاف: وماذا بعد؟ بالطبع لا أعرف الجواب ولكن بالإمكان البحث عنه من منظورين مختلفين:
المنظور المتفائل
- الوضع كان سيّئاً للغاية والفساد مستشرياً وأي بديل أو بدائل أفضل من هذا وذاك.
- قد يتحسّن وضع المواطن السوري إذا رفع الغرب العقوبات الساحقة التي ناء تحتها الشعب عبر السنوات على اعتبار أنّ هدفها - إسقاط النظام - تحقّق.
- خروج سوريّا من محور المقاومة (حسب مؤيّديّ النظام السابق) أو محور الشرّ (حسب الغرب وما يسمّى بالمجتمع الدولي) قد يُتَرْجَم إلى توقّف بعض القوى الإقليميّة والعالميّة عن قَصْفِها كلّما دقّ الكوز بالجرّة.
- يبدو الوجه الجديد للمعارضة ألطف ممّا اعتدنا عليه وأكثر تقبّلاً للأقليّات. على الأقلّ على الشاشات والفضائيّات الرسميّة (هناك مع الأسف كمٌ لا بأس به من المنشورات الطائفيّة المقيتة على وسائل التواصل الاجتماعي).
- من المحتمل أنّ يؤدّي توقّف الحرب إلى تشجيع الاستثمار في سوريّا وإعادة إعمار البلد المنكوب.
المنظور المتشائم
- السوابق في العراق وليبيا لا تبشّر بالخير.
- هناك دائماً احتمال قيام صراع على السلطة بين أطياف المعارضة قد يستغرق سنوات ويخلّص على الأخضر واليابس وما تبقّى.
- النظام - أي نظام - أفضل من الفوضى وانعدام الأمن والسلام إلى أن ينجح النظام الجديد في إثبات وجودِهِ وفرض مهابتِهِ وسُلْطَتِهِ.
- رفع العقوبات الغربيّة أصعب بما لا يقاس من فَرْضِها. كوبا على سبيل المثال وليس الحصر ترزح تحت العقوبات الأمريكيّة منذ أكثر من ستّين عاماً.
- تقسيم سوريّا وارد. لا ريب أنّ التقسيم مرير المذاق بيد أنّه أفضل من استمرار الحرب. تكمن المعضلة في أنّ التقسيم غالباً ما يكون دمويّاً ويترافق مع تهجير الناس تبعاً لهويّتهم الإثنيّة والدينيّة.
- القوى التي ساعدت المعارضة على الإطاحة بالنظام لم تفعل ذلك قطعاً لوجه الله بل ستقدّم - إن لم تكن قدّمت فعلاً - فواتيراً واجبة الاستحقاق عاجلاً أم آجلاً. قد لا يستسيغ الكثيرون الثمن أو الأثمان المطلوبة ومن المحتمل أنّ أحدها قيام النظام الجديد بشنّ حرب ضدّ أعداء من موّلَهَ وسلَّحَهُ.
- عدد الفئات المسلّحة اليوم أكبر بكثير ممّا ينبغي وهذه وصفة ممتازة للفلتان الأمني. المطلوب حكومة مركزيّة قويّة تحتكر السلاح، وشرطة وجيش يمكن التعويل عليهما.
- سوريّا - وهذه حقيقة يتجاهلها الكثيرون - دولةٌ ضعيفة. الضعف كان ولا يزال جريمتها الأساسيّة وإثمها الأصلي مهما كانت طبيعة حكومتها. ليس للضعيف أن يطلب، بَلْهَ أن يطالب، المٌنْتَظَر منه أن بنفّذ الأوامر التي يتلقّاها فحسب.
مع حبّي لسوريّا وجميع السورييّن.
الصورة عن Sauvaire للحيّ المسيحي عام ١٨٦١.
No comments:
Post a Comment