Saturday, October 18, 2025

الڤترينات السادسة والسابعة والثامنة: الزجاج الروماني

 


يمتلك متحف دمشق مجموعةً شديدة الغنى من الزجاج العائد إلى العهد الروماني من مختلف أنحاء سوريّا. اختِيرَت العيّنات المعروضة في هذه الخزائن الثلاث ضمن أجمل الموجودات وأكثرها نمطيّةً سواءً بشكلِها أو بألوانها، وهناك أيضاً كميّات كبيرة من الزجاج الروماني في مستودعات المتحف. تُشيرُ هذه العاديّات إلى الكمال الذي توصّلت إليه تقنيّة تصنيع الزجاج والنجاح العظيم الذي عَرَفَتْهُ بعد اكتشاف أسلوب النفخ في القرن الأوّل قبل الميلاد على وجه التقريب. من المحتمل أنّ هذا الإنجاز يعود إلى صيدا، التي كانت آنذاك المركز الرئيس لهذه الصناعة إلى جانب الإسكندريّة. 


أنتجت سوريّا الزجاج قبل هذا الاكتشاف بكثير، ومن المعروف أنّ السورييّن امتلكوا منذ أقدم العصور ذوقاً فطريّاً في استكناه الجماليّات. أدّت عدّة عوامل إلى اندثار الأغلبيّة الساحقة من بواكير المنتجات الزجاجيّة: عيوب الخليط وصهر المواد وظروف الطبخ. تطوّر تصنيع الزجاج في سوريّا اعتباراً من القرن السادس قبل الميلاد، عندما أمتدّ التأثير المصري إلى الشام. تُدْعى الآنية من ذلك العصر "فينيقيّةً"، وإن شابهت النماذج المصريّة من النواحي التقنيّة. تحلّت هذه الحاويات بزخارف خطيّة لولبيّة أو تموّجات مرسومة على سطح الإناء، ومن هذه الزخارف ما أخذ شكل الأمفورة الصغيرة الحجم، المخصّصة لمستحضرات التجميل والطيوب والزيوت والمراهم. 


أدّى اكتشاف تقنيّة النفخ في الزجاج إلى تطوّر هذه المهنة، ليس فقط في مصر وسوريّا، بل أيضاً منها إلى كمپانية ورومية وسائر غرب أوروپّا، وإن احتفظ المشرق بتفوّقِهِ. تمّ الحصول على الزجاج بتقنيّة النفخ باستعمال أنبوب وأحياناً بالنفخ في قالب، ثمّ أُضيفَت زخارف متنوّعة من الخيوط الزجاجيّة التي طوّقت جسم ورقبة الإناء، ومماسك تزايد تعقيدُها إلى درجة الإفراط اعتباراً من القرن الرابع. ارتكزت المماسك في البداية على جسم الإناء ثمّ أصبح لها أرجل خاصّة. ازدادت سعة فتحة عنق الإناء مع مرور الوقت. أُضيفت أيضاً لصائقٌ وأشكالٌ لولبيّة ورسوم هندسيّة حُزِّزَت في المادّة قبل برودَتِها.


تولّدت أشكالٌ في غاية الكثرة مع مرور الزمن، ومال الحرفيّون إلى تلوين الزجاج الشفّاف وإنتاج زجاج كتيم باذخ الألوان.



تمتاز مقتنيات متحف دمشق الزجاجيّة بدقّتِها وتنوّع أشكالِها: كؤوس، أكواب، أطباق، زبادي، آنية ذات ممسك، حِقاق بشكل عناقيد العنب، حيوانات زخرفيّة أو رؤوس، أوعية مخروطيّة استُعْمِلَت كمصابيح، أو حاويات للكحل. تنوّعت أيضاً ألوان هذه الآنية التي ساد فيها الأخضر المائل إلى الزرقة، وأزرق الكوبالت، والبنّي المائل إلى الحمرة في محتويات الڤترينة الثامنة، والأبيض الحليبي في القطع الجميلة في الڤترينة السابعة حيث نرى أيضاً صفائحاً زُخْرِفَت بمثلّثاتٍ من وريقات الذهب.



زادَ الأثرُ الناجمُ عن لمعانِ التقزّح اللوني على سطح هذه القطع الزجاجيّة من جمالِها. ينمّ هذا التقزّح في الواقع على اعتلالٍ أصاب الزجاج، نتيجةً لرطوبة التربة التي اختفى تحتها عبر العصور ممّا أدّى إلى تآكل السطح. يبقى هذا العطب سطحيّاً لحسن الحظّ، ويقتصِرُ في الزجاج الأقلّ إصابةً على قشرةٍ مخمليّة لمّاعة بألوان قوس قزح، ويمكن أيضاً سلخ القشرة المتقزّحة عن الزجاج بسهولةٍ حتّى في القطع الأكثر تضرّراً. تتمتّع كافّة هذه العاديّات تقريباً بألوان قوس قزح. نرى جميع أطياف اللون الأخضر في قطع الزجاج الخضراء، ونشاهد، على نفس المنوال، أطياف اللون الأحمر في النماذج الحمراء والبنفسجيّة.


النصّ تعريب عن عبد الحقّ (صفحة ١٠٤ - ١٠٥).

من مقتنيات متحف دمشق الوطني.



Sélim et Andrée Abdul-Hak. Catalogue Illustré du Département des antiquités Gréco-Romaines au Musée de Damas, 1951

No comments:

Post a Comment