Saturday, March 5, 2016

فيليپ خوري حتّي وتاريخ سورّيا


فيليپ خوري حتّي (١٨٨٦-١٩٧٨) أحد أشهر مؤرخي القرن العشرين للشرق الأدنى والعرب عموماً وسوريّا خصوصاً، ولا تزال كتبُهُ (تاريخ العرب ١٩٣٧، تاريخ سوريّا، خمسة آلاف سنة من تاريخ الشرق الأدنى ١٩٦١، وكثيرٌ غيرها) مراجع هامّةً للمختصّين والهواة إلى اليوم. ولد حتّي في جبل لبنان أواخر العهد العثماني ودرس - مثله في ذلك مثل أخيه الأصغر يوسف صاحب قاموس حتّي الطبّي - في الجامعة الأمريكيّة في بيروت عندما كانت تُدعى الكليّة الپروتستانتيّة السوريّة، ثمّ هاجرَ إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة ليستقرّ فيها نهائيّاً اعتباراً من عام ١٩٢٦، ويكرّس بقيّة حياتِهِ المهنيّة للتدريس والأبحاث التاريخيّة المتعلقة بالشرق الأدنى والإسلام واللغات الساميّة. 

صدرت الطبعة الأولى من كتاب "تاريخ سوريّا ولبنان وفلسطين" عام ١٩٥١ وأعيد طبع الكتاب عدّة مرات لاحقاً ونُقِلَ إلى اللغة العربيّة بتعاون الدكاترة جورج حدّاد وعبد الكريم رافق وجبرائيل جبّور. الكتابُ قسمان: الأولّ والأكبر (أكثر قليلاً من ٤٠٠ صفحة) يبدأ من العصر الحجري وينتهي مع نهاية العهد البيزنطي؛ والثاني (٣٠٠ صفحة) يغطّي الفترة الواقعة بين الفتح العربي في القرن السابع الميلادي إلى منتصف القرن العشرين. في اعتقادي أنّ هذا التوزيع منصف لبلادٍ يبلغ عمر الحضارة فيها آلاف السنين، معظمها قبل العرب والإسلام.

الكتاب شيّق وممتع، يضيفُ إلى سردِهِ للأحداث التاريخيّة والعلاقات السياسيّة، تغطيةً لا بأس بها أبداً للحياة الفكريّة والثقافيّة والقانونيّة والإداريّة والدينيّة والمعماريّة والفنيّة، ليس فقط في العهود الساميّة القديمة، وإنّما أيضاً الفارسيّة واليونانيّة والرومانيّة والبيزنطيّة التي تهملها أكثر المراجع العروبيّة كفتراتٍ استعماريّة ممجوجة. يتعيّن هنا التوكيد أنّ الكتاب موجّه للعامّة بالدرجة الأولى، ومع ذلك يعتمد منهجيّاً على النصوص التاريحيّة المتوافرة والآثار الماديّة من الأطلال والأدوات والخزف والمسكوكات في سوريّا والبلاد المجاورة. بالنسبة للعهد الإسلامي، ركّز حتّي وبحقّ على التجربة الأمويّة التي اعتبرها عهداً ذهبيّاً في تاريخ سوريّا رغم القلاقل السياسيّة و الحروب الأهليّة. بالمقابل جار العهد العبّاسي على الشام التي تدهور وضعُها مع انتقال مركز الإمبراطوريّة إلى الشرق، ومن ثم تفتّتها إلى دويلاتٍ متنافسة ومتناحرة.

على العكس من لامنس، لا يمكن اتّهام حتّي بأي تحيّز ضدّ الإسلام والعرب ودون أدنى مساس بالموضوعيّة.  نَهَلَ المؤلّف من المصادر الأصليّة العربيّة منها والأعجميّة متوخّياً تحرّي الحقائق، وبذل فصارى جَهْدَهُ في استقراء السرديّات بعيداً عن العواطف كما نرى في الفصول التي عالجت فترة الحملات الصليبيّة ومَن عاصَرَها بدايةً من عماد الدين زنكي ونهايةً بانسحاب الإفرنج من جزيرة أرواد. ينتهي الكتاب مع سقوط الإمبراطورية العثمانيّة دون التطرّق إلى الفترة التي سبقت الإستقلال إلا ضمن أضيق الحدود كموضوعٍ لم تُكْتَب قصّته بعد.

لجميع محبّي سوريّا، المهتمّين بتاريخها، ممّن لا يملكون من الوقت ما يسمح بقراءة أكثر من كتاب عنها، ولا التأهيل المهني للتمييز بين الحقيقة والدعاية، يبقى كتاب حتّي بعد ٧٤ سنة من نشرِهِ أجمل وأكمل ما كُتِبَ عنها بلا منازع.

أرفق أدناه رابطيّ تحميل التعريب والأصل الإنجليزي. 







No comments:

Post a Comment