Saturday, April 29, 2017

قصّة بيت العقّاد



لرّبما كان بيت العقّاد، أو بعض مكوّناتِهِ العائدة إلى القرن الخامس عشر والعهد المملوكي، أقدم بيوت دمشق على الإطلاق. هذه الدار، كما هو الحال في كثيرٍ من "البيوت" الدمشقية الكبيرة التي شُيِّدَت على عدّة مراحل، أقرب إلى القصر منها إلى منزلٍ للسكن.

نميّز في تاريخ بيت العقّاد المراحل الرئيسة الآتية:

- الأولى مملوكيّة، بين الأعوام ١٤٥٠ و ١٤٧٥.
- الثانية من ١٧٤٧ إلى ١٧٥٤.
- الثالثة أيضاً في القرن الثامن عشر، بين ١٧٥٩-١٧٦٣، أي بعد زلزال ١٧٥٩ مباشرةً.
- الرابعة حوالي عام ١٨٤٠، بعد دخول طراز الروكوكو العثماني إلى دمشق.
- الخامسة نحو ١٩٠٠، عندما جدّدَهُ عبد القادر العقّاد الذي نُسِبَ البيتُ إليه.

توفّي عبد القادر العقّاد عام ١٩٠٨، وتركت عائلته البيت عام ١٩٤٧، ليتحوّل إلى مدرسة زينب فوّاز للبنات، ويُضافُ إليها مدرسة أحمد مريود للبنين حوالي عام ١٩٧٣. هُجِرَ المبنى عام ١٩٧٦، وأصبح موطناً للنسيان ومرتعاً للجرذان.
____________________________________________________________

بَحَثَ المعهد الدنماركي عن موطنٍ له في دمشق القديمة خلال تسعينات القرن العشرين، وشاءت الطوالع الحسنة أن يقَعَ اختيارُهُ على هذا البيت العريق. أُبْرِمَ بالنتيجة اتّفاقٌ بين المعهد والجهات السوريّة المسؤولة، تكفّل الدانماركيّون بموجِبِهِ بنفقات ترميم البناء بالاشتراكِ مع خبراتٍ ومهارات محليّة ودنماركيّة، وللمعهد بالمقابل ملء الحقّ باستعمال البيت مقرّاً لَهُ ولخبرائِهِ من الأكاديمييّن والفنّانين لفترةٍ زمنيّةٍ معيّنة. وضع الترميم المهني نصبَ عينيهِ إبرازَ محاسن البيت بأمانةٍ قدر الإمكان، كما كانت تحت تقمّصاتِهِ المتعدّدة عبر العصور. نجحت العمليّة نجاحاً باهراً بحلول عام ٢٠٠٠، ونُشِرَ تقريرٌ مسهبٌ عن تاريخِ البيت وتفاصيلِ مكوّناتِهِ وأعمالِ الترميم فيه، في مجلّدٍ ضخم بلغ عددُ صفحاته من القطع الكبير ٤٤٠. صدر هذا السِفْر النفيس عام ٢٠٠٥ تحت إشراف الأستاذ Peder Mortensen، مزيّناً بمئاتٍ من الصور التاريخيّة والحديثة، مع عددٍ لا بأس به من المخطّطات والخرائط.
_____________________________________________________________

لا تتّسع هذه السطور القليلة لجولةٍ في صحن البيت، ولا لزيارة غرفِهِ الكثيرة التي تنتمي إلى أزمنةٍ وعهود مختلفة، ولا لعرض تيهورٍ من الصور الفنيّة. تكفي هنا الإشارة أنّ بيت العقّاد متحفٌ كامل بكلّ ما في هذه الكلمة من معنى، وإن لم يكن بالطبع المتحف الوحيد في مدينةٍ تحتضنُ قصر أسعد باشا العظم، وبيت خالد العظم، وبيت نظام، والمجلّد، وشاميّة، وكثيرٌ غيرها. نعم في دمشق كلّ هذا وأكثر، ومع ذلك تبقى لبيت العقّاد أهميّةٌ تتجاوز الدار بحدّ ذاتها كما هو آت.

الموقع داخل سور المدينة القديمة على سوق الصوف، جنوب الشارع المستقيم أو ما عرف سابقاً بسوق جقمق، ويعرف حاليّاً بسوق مدحت باشا. يحدّه شمال الشارع المستقيم خان الزيت وخان جقمق، ويجاوره غرباً بيت حورانيّة الذي يضاهيه عراقةً أو يكاد، وإن لم تقيّض الأقدار له حتّى الآن من يوفّر له حاجَتَهُ من الوقت والخبرة والمال والحبّ لنفض غبار الزمن والإهمال عن كنوزِهِ، الظاهرة منها والدفينة.
_______________________________________________________________

المسرح الروماني

ما كان للدانماركييّن، عندما وقَعَ خيارُهم على بيت العقّاد، أن يحلموا أنّهم في واقع الأمر يقفون على أنقاض المسرح الروماني في دمشق، المسرح الذي ذكره مؤرّخ القرن الأولّ للميلاد، اليهودي Flavius Josephus، ونَسَبَ الأمرَ ببنائِهِ لملك يهوذا Herod الأعظم (٣٧-٤ قبل الميلاد).

لم يكن وجود هذا المسرح مجهولاً من قِبَل المستشرقين، بما فيهم الألمانييَّن Wulzinger وWatzinger والفرنسي Sauvaget، بيد أنّ معرفَتَهم اقتصرت على روايات المؤرّخين في غياب الأدلّة الماديّة، إلى أن أسفرت تنقيبات المعهد الدنماركي في العقد الأخير من القرن العشرين، عن أطلالِهِ تحت بيتيّ العقّاد شرقاً وحورانيّة غرباً.

تمركزت دمشق الرومانيّة بطبيعة الحال حول هيكل المشتري (الجامع الأموي حاليّاً)، وانطلقت المواكب الدينيّة والرسميّة من مدخلِهِ الرئيس (باب جيرون)، شرقاً عبر الطريق المقدّسة Via Sacra (شارع القيمريّة)، ثمّ انعطَفَت جنوباً نحو الشارع المستقيم Via Recta أو decumanus، كما سُمّيَ محورُ المدينة من الشرق إلى الغرب في عهد الرومان. اتّجَهَت هذه المواكب بعد ذلك غرباً على الشارع المستقيم، حتّى وصولِها إلى المسرح الواقع جنوب هذا الشارع. قابلت المسرحَ ، على الطرف الشمالي من الشارع، حديقةٌ مربّعةٌ أو مستطيلة الشكل، محاطةٌ بأروقةٍ معمّدة، أو ما يدعى باللاتينيّة porticus post scaenam.
________________________________________________________________

قد يرى البعضُ، في تخصيص مئات الصفحات لبيتٍ واحد، إطالةً ليس لها ما يسوّغها، في مدينةٍ تزهى بكثيرٍ من القصور؛ بيد أنّ دار العقّاد ليست بالبيت العادي ولا حتّى القصر العادي. كثيرةٌ هي معالم دمشق التي لا تزال راقدةً، كالأميرةِ النائمة، تنتظرُ قبلةَ أميرٍ كي تصحى من سُبَاتِها.

2 comments:

  1. أين يمكن الإطلاع على كتاب بيت العقاد؟

    ReplyDelete
    Replies
    1. على علمي لا يوجد نسخة الكترونيّة

      Delete