Tuesday, April 25, 2017

دمشق وتدمر



كتابٌ جميلٌ موزّعٌ على مجلّدين، نُشِرَ عام ١٨٣٨. المؤّلف Charles G. Addison محامي ورحّالة إنجليزي من وفيّات ١٨٦٦، وعنوان الكتاب "دمشق وتدمر" أو "رحلة إلى المشرق". هَدَفَ Addison إلى عرض حال سوريّا في ثلاثينات القرن التاسع عشر، أي تحت حكم إبراهيم باشا المصري، وحاوَلَ رسمَ صورةٍ عن توجّهاتِها المستقبليّة كما بدت له وقتها. يمكن قراءة الكتاب بالمجّان على الرابطين الملحقين أدناه ، والاستمتاع بلوحاتِهِ الملوّنة على رابطٍ مستقلّ.

المؤّلِف بريطاني قلباً وقالباً ، فخورٌ بمجدِ الإمبراطوريّة وسؤددها، وتفوّقِها على جميع الأمم على كافّة الأصعدة، بعد أن كرّست هزيمة ناپوليون من جهة، وسطوة الأسطول البريطاني من جهةٍ ثانية، القرن التاسع عشر قرناً بريطانياً. لبس من المستغرَب، والحال كذلك، أن ينظر الغربيّون إلى المشرق، مهما افتتنوا بسِحْرِهِ، باستعلاءٍ امتزج فيه الفضول مع الشفقة مع الازدراء، وفي أحسن الأحوال الدعوة إلى تحسين أوضاع الشرقييّن المساكين سواءً عن حسن نيّةٍ أو للمتاجرة بقضيّتهم في سبيل تحقيق مآرب معيّنة.

بدأ الكاتب رِحْلَتَهُ في نيسان ١٨٣٥ من جزيرة مالطا، ميمّماً شطر اليونان التي استقلّت حديثاً عن العثمانيين، وكانت لا تزال في حالةٍ يرثى لها. محطتّهُ التالية كانت آسيا الصغرى، قلب الإمبراطوريّة العثمانيّة التي تربّع محمود الثاني على عرشِها. أجهزَ هذا السلطان المُجدِّد على الإنكشاريّة، كما هو معروف، وأدخل الطربوش بدبلاً للعمامة في محاولةٍ يائسة للحاق بركبِ التقدم عن طريق تغيير الكثير، ضمناً الأزياء. لم يتردّد الكاتب في السخرية من هذه الإصلاحات التي رأى أنّها تناولت القشور وأهملت اللباب.

المجلّد الثاني هو بيت القصيد بالنسبة لنا، تناول رحلة Addison إلى الشام انطلاقاً من لبنان، حيث قابل إبراهيم باشا والأمير بشير الشهابي. ما كان للكاتب أن يغفل التعرّض للموارنة والدروز، واعتناق الأمير بشير المسيحيّة، قبل مواصلةِ رحلتِهِ إلى دمشق التي وصلها في الثاني عشر من تشرين أول ١٨٣٥.

دمشق النصف الأول من القرن التاسع عشر مختلفةٌ عن حفيدَتِها اليوم كلّ الاختلاف. كانت المدينةُ وقْتَهَا معزولةً إلى حدٍّ كبير عن العالم الخارجي، وبالتالي شرقيّة ومحافظة إلى أبعد الحدود: دخول الجامع الاموي محظور على المسيحييّن حظراً باتّاً تحت طائلة أشنع العقوبات وبيع القرآن للأجانب من المحرّمات. حاول الكاتب شراءَ نسخةٍ من كتاب المسلمين المقدّس عندما طرده صاحب المكتبة شرّ طردة مع وابلٍ من الشتائم واللعنات استمطرها على رأس "الكلب الكافر". مع ذلك حقّق Addison بعض النجاح في اختراق المجتمع الشامي المتعصّب عندما تمكّن، بعد جهد جهيد ووساطة قرينة القنصل البريطاني، من إقناع إحدى الحسناوات من صبايا دمشق بالوقوف بثيابها الزاهية كموديل للرسم، أتاح له فرصةَ وصفِها ووصف الزيّ الذي ارتَدَته بتفصيلٍ معقول.

حرص المؤلِّف على وصف أسواق دمشق، ومتاجرها المفتقرة إلى الواجهات (الڤترينات)، وحمّاماتِها التي خُصِّصَت في أيامٍ وأوقاتٍ معينة للنساء؛ الويلُ كلّ الويل لأي رَجُل خاطر بحياتِهِ وحاول الدخول إلى الحمام في هذه الأوقات. من دورِ دمشق وصف الكاتب منزل علي آغا خزنة كاتبي (بيت نظام) الذي زاره وتعرف على صاحبه. تعرّض Addison لمعالم دمشق، خاصة المتعلّقة بالتاريخ اليهودي والمسيحي. الكاتب ذو إلمامٍ لا بأس بِهِ أبداً بتاريخ المدينة القديم والإسلامي، نوّه بهزال المصادر اليونانيّة عن فتح الشام وأنّ المعلومات المتداولة جميعها عملياً إسلاميّة المصدر، خاصةً عن طريق الواقدي. ختم Addison سردَهُ التاريخي مع حملة إبراهيم باشا، ومن ثمّ دخول القنصل البريطاني J.W.P. Farren المدينة عام ١٨٣٣.

زار صاحبنا تدمر، التي اكتشفها الإنجليز للمرّة الأولى عام ١٦٩١، وقارنَ بين عظمةِ ماضيها وجلالِ آثارها من جهة، وبؤس البلدة التي عاينها من جهةٍ ثانية. شكّك Addison في رأي البعض باشتقاق تسمية Palmyra من النخيل Palm، على اعتبار أنّ مصدرها يوناني وليس لاتينيّاً؛ أضاف أنّ كلمة "تدمر" السوريّة تقابل Thadamoura حسب المؤرّخ اليهودي الروماني يوسيفوس.

مسك الختام عدّة صفحات يمكن النظر إليها كمحاولةٍ من Addison "لتشخيص أمراض" سوريّا ووصف العلاج المناسب. أدان الكاتب الإدارة العثمانيّة المتخلّفة بطبيعة الحال، ومع ذلك تشائمَ من مستقبل سورّيا في ظل إبراهيم باشا، وعامِلِهِ في دمشق شريف باشا، وإمبراطورية محمّد علي المتمركزة في مصر. ارتأى المؤلِّف أنّ نجاح المصرييّن عسكرياً لا يُتَرْجَم بالضرورة إلى رفاه البلاد اقتصادياً، خصوصاً عندما ترزح تحت الضرائب التي امتصّتها إدارةٌ مكلفة ومجهودٌ حربي باهظ الثمن، أفقد السكّان وتحديداً الفلّاحين أي حافز لاستثمار واستصلاح الأرض في غياب الأمل بتحسين حياتِهِم وتأمين مستقبلِ أطفالِهِم.




No comments:

Post a Comment