اختلطت الحقيقةُ مع الخيال في هذا الكتيّب الذي صدرت طبعتُهُ الأولى عام ١٨٦٤. المؤلّف Daniel Clarke Eddy رَجُل دين وسياسي وكاتب أمريكي من مواليد Massachusetts عام ١٨٦٤، ووفيّات Brooklyn نيويورك عام ١٨٩٦. الكتاب (حوالي ٢٢٠ صفحة من القطع الصغير، ١٧ في ١١ من عشيرات المتر) متوافرٌ للتحميل بالمجّان.
يحسن هنا التنويه أنّ هذا العمل يخاطبُ جمهوراً غربيّاً مسيحيّاً بالدرجةِ الأولى والأخيرة، ليس فيه من "اللباقة السياسيّة" لا كثيراً ولا قليلاً، ولا مبالغة في وَصْفِهِ بالعنصريّة بمقاييس القرن الحادي والعشرين، وإن كان عاديّاً بمعايير القرن التاسع عشر، يعكسُ عقليّةَ أهلِ زمانِهِ ومكانِهِ.
"البطل" Walter شابٌّ يافعٌ حادّ الذكاء وطالب عِلْم "ولو في سوريّا". زار Walter دمشق بصحبةِ رهطٍ من الأمريكان، أحدّهُم واعظٌ ضليعٌ، يعرف عن الشرق والإسلام أكثر بكثير من الأغلبيّة الساحقة من الغربييّن، وإن كانت معلوماتُهُ ممزوجةً بفوقيّةٍ واستعلاء.
جرت هذه الزيارة، على الصعيد الأمريكي، بعيد نشوب الحرب الأهليّة، عندما طَرَدَ الجنرال الجنوبي Pierre Beauregard الشمالييّن من قلعة صمتر (صفحة ١٤)؛ وأتت على الصعيد المحلّي في أعقاب مجزرة ١٨٦٠. الكاتب شمالي من أنصار شمال أمريكا، ومسيحي حتّى النخاع، اهتمامُهُ بسوريّا ودمشق عائدٌ بالدرجة الأولى إلى مكانتِهِما البارزة في التاريخ والأدب المسيحيَيّن.
نزل ضيوف دمشق الأمريكييّن في فندقٍ شامي متواضع المظهر من الخارج وجميلٌ للغاية من الداخل. تمركز هذا النُزْل، شأنه في ذلك شأن البيوت الشاميّة التقليدية، حول الديار والبحرة في وسطِهِ. طاف الزوّارُ أسواقَ المدينة، ومقبرة الباب الصغير، والجامع الأموي وأحد الحمّامات، ومقهى مغربي رقصت فيه "العالمة" وغنّت المغنّيات على إيقاع الدربكة وأنغام الآلات الشرقيّة أمام المشاهدين من مرتشفي القهوة ومدخّني الأركيلة.
لم يُحْدِث الجامع الأموي لدى زوّارنا الأفاضل الانطباعَ المأمول، ولم ينس الكاتب بالطبع تذكير قرّائِهِ أنّه كان كنيسةً مسيحيّة قبل أن يهدمها الوليد ويبني الجامع مكانها؛ أضاف المؤلّف (صفحة ١٢٣) أن هيكل رمّون (يعادل الإله السامي "بعل") المذكور في سفر الملوك الثاني (الإصحاح الخامس، الآية الثامنة عشرة)، كان بالتأكيد أجمل من البناء الحالي، واستطرد بالقول (صفحة ١٢١) أنّ "المسلمين الحمقى" يعتقدون أن المسيح سيقف على مئذنة عيسى يوم القيامة. تفوّق المستر Eddy على نفسه في سياق حَدِيثِهِ عن زيارة "الحمّام التركي"، عندما أكّد، بوقاحةٍ وصفاقة وجه أقرب إلى البلاهة (صفحة ١٥٤) أنّ "العرب، على الرغم من كونِهِم شعبٌ قذرٌ للغاية، يستحمّون كثيراً".
زار الأمريكيّون الحيّ المسيحي المنكوب. المسيحيّون الشرقيّون عموماً "موارنة"، قد لا تعترف أمريكا "بمسيحيّتهم" (صفحة ٥٨)، وفي كلّ الأحوال لم يبقَ في دمشق، بعد قتل عشرين ألف مسيحي عام ١٨٦٠، إلّا المسلمين واليهود. أضاف الكاتب (صفحة ١٠٣) في إشارةٍ إلى أحداث لبنان، أنّ ١٦٠ "مدينة" أُحْرِقَت، وأنّ عشرة آلاف إنسان قُتِلوا، وأن ٢٥٠٠٠ امرأة سُبين وبيعنَّ جوارياً للأتراك. مع ذلك أشاد الكاتب، كغيرِهِ من الشرقييّن والمستشرقين، بدور الأمير عبد القادر في هذه المأساة، وإن تلخّصَ رأيُهُ في المسلمين المتدينيّن بشكلٍ عامّ (صفحة ٢٠٦)، في ترجمةٍ تقريبيّة للقول الشامي المأثور "إذا حجّ جارك بيع دارك، وإذا حجّ مرتين بيعو بالدين".
سَبَقَت الإشارة أنّ المؤلِفَ ملمٌّ بالتاريخ الإسلامي إلى درجةٍ ملفتةٍ للانتباه، بدلالة ما كَتَبَهُ عن النبي محمّد، وزوجاتِهِ (خديجة وعائشة وبالطبع ما كان له أن ينسى تذكيرَنَا - صفحة ١٧٥ - أنّ عمر هذه الأخيرة لدى عقدِ قِرانِها لم يتجاوز السبع سنوات)، وغزوات بَدْر وأُحُد والخندق وخَيبر، والإسراء والمعراج، ومحاولة قريش اغتيال الرسول، والملذّات التي وعد الله بها المؤمنين في الجنّة، وهلمّجرّا.
لاقى الكتابُ على علّاتِهِ، أو لربّما بسبب هذه العلّات، رواجاً لا بأس به، وأُعيدَت طباعَتُهُ. الكاتبُ غزيرُ الإنتاج في عدّة مجالات. أحد كتب الترحال التي ألّفَها عن القسطنطينيّة، وآخر عن أثينا وثالث عن مصر ، إلى آخِرِهِ.


No comments:
Post a Comment