Monday, September 23, 2019

بدايات رسالة محمّد في المصادر التاريخيّة المسيحيّة والإسلاميّة


تعرّضت في موضع آخر إلى المدارس الإستشراقيّة المختلفة عن بواكير الإسلام وأكثرها تشكيكاً وتمحيصاً كما رأينا هي المدرسة المراجعة الجديدة Neo-Revisionist التي لا تقبل كمسلّمات إلّا الأدلّة الماديّة الملموسة والباقية إلى اليوم وتنظر بعين الريبة إلى الكتابات اللاحقة. تكمن المشكلة في منهج هذه المدرسة في قلّة المصادر الماديّة المعاصرة للأحداث قيد الدراسة وأحياناً تكون مفقودة بالكامل. من ناحية ثانية صحيح أنّ الأدلّة المباشرة عن الإسلام في القرن الأوّل الهجري محدودة للغاية ولكن الوضع مشابه بشكل أو بآخر بالنسبة للأدلّة عن المسيحيّة في القرن الأوّل الميلادي أمّا عن الأدلّة على التكوين والخروج وممالك سليمان وداود فحدّث ولا حرج. السؤال إذاً هو التالي: هل تعني ندرة البراهين القاطعة أنّ محمّد والمسيح وموسى وداود شخصيّات أسطوريّة؟ وهل نسقط كنتيجة منطقيّة نفس المعايير المتزمّتة على شخصيّات كبوذا وزرادشت وسقراط وأفلاطون وحتّى الإسكندر الأكبر لنتأكّد ليس فقط إذا كانوا "حقيقييّن" وأنّما أيضاً إذا كانت المآثر التي تعزى إليهم حقيقيّة؟ أشارالمؤرّخ Will Durant في المجلّد الثالث من "قصّة الحضارة" بعنوان "قيصر والمسيح" (الرابط أدناه) إلى الجدل حول المسيح كشخصيّة تاريخيّة حقيقيّة وارتأى أنّ براهين الإيجاب أقوى من أدلّة النفي.   

في كلّ الأحوال يميل الدكتور Janosik في كتابه "يوحنّا الدمشقي" إلى اتبّاع أسلوب هذه المدرسة ممّا أوقعه لاحقاً -كما سنرى- في بعض التناقضات التي لا بدّ من حصولها عندما ينتقي المرء لا شعوريّاً ما يؤمن به مسبقاً ويضرب صفحاً عمّا لا يعجبه. مع ذلك أقدّم فيما يلي خلاصةً لسرده دون تزويق أو تهذيب ولا يسعني في نهاية المطاف إلّا أن أحترم سعة علمه والجهد الذي بذله. 

محمّد والإسلام في الكتابات المسيحيّة

- هناك شهادة Sophronius بطريرك القدس حوالي عام ٦٣٦ للميلاد التي أشارت إلى الفتح العربي كشناعة الخراب abomination of desolation (تعبير مقتبس من سفر دانيال في العهد القديم) ولكن الباحث يهوذا نيفو Nevo يشكّك في كون المخطوطة التي وصلتنا غير "منقّحة" ومهما يكن الأمر لم يذكر البطريرك محمّد بالاسم ولا الإسلام.

- ذكرت ثلاثة مصادر غير إسلاميّة اسم محمّد بين الأعوام ٦٤٠-٦٦٠ للميلاد (أي قبل أي مصدر إسلامي بعشرات السنوات): القسّ توما Thomas the Presbyter و Sebeos وكاتب أخبار أيّام خوزستان  Chronicler of Khuzistan مع التحفّظ أنّ ما وصلنا ليس المخطوطات الأصليّة وإنّما نسخ عنها أتت بعد مئات السنين ولربّما أقحم اسم محمّد فيها لاحقاً وإن أشارت على الأقلّ لوجود قائد ديني عربي توحيدي في القرن السابع حمل قومه على الهجرة شمالاً. مثال آخر على إشكاليّة مصادر من هذا النوع "أخبار الأيّام" ليوحنّا John of Nikiu "المكتوب" في مصر حوالي عام ٦٩٠ للميلاد والذي ذكر المسلمين ومحمّد ولكن هذه الشهادة مشبوهة كونها وصلتنا عن طريق نسخة مترجمة إلى اللغة الحبشيّة عام ١٦٠٢ بدورها مترجمة عن ترجمة عربيّة للأصل الإغريقي أو القبطي!

- أوّل ظهور لمصطلح "مسلمين" في النصوص المسيحيّة كان عام ٧٧٥ وقبلها كانوا ينعتون "عرب" أو "اسماعيلييّن" (نسبة لاسماعيل ابن ابراهيم) و Saracens (مصطلح مختلف على ترجمته). 

- المصادر غير الإسلاميّة عن محمّد والإسلام دينيّة أكثر منها تاريخيّة محترفة.  



محمّد والإسلام في الكتابات الإسلاميّة

- رأينا أنّ أقدم الكتابات الإسلاميّة والعربيّة عن محمّد تعود لمطلع القرن التاسع الميلادي والعهد العبّاسي.

- لا ذكر للخلفاء الراشدين قبل كتابات القرن الثامن.

- أوّل قائد عربي لقّب بأمير المؤمنين كان معاوية على نقد وجهه الثاني يقول "بسم الله". لا ذكر لدينا للقرآن ولا محمّد ولا الإسلام من عهد معاوية.

- تعود أقدم نسخة للقرآن لأواخر القرن الثامن باستثناء بعض الأجزاء من صنعاء من مطلع نفس القرن. 

- لا يوجد ذكر لمحمّد كنبي أو حتّى كتسمية في المصادر الإسلاميّة قبل عهد عبد الملك بن مروان ٦٩١-٦٩٢ للميلاد. يحمل نقد عبد الملك عبارة "بسم الله لا إله إلّا الله محمّد رسول الله" وهو أوّل من أعلن نفسه "خليفة الله"  (يقول المؤلّف في إحى الحواشي أنّ ابن الزبير ضرب نقداً وأعلن محمّداً نبيّاًَ ٣ سنوات قبل عبد الملك). بالنسبة لكتابات قبّة الصخرة فهي تحمل الطابع القرآني دون أن تطابق النصّ الحالي القانوني ولربّما مثّلت أشكالاً دارسة للآيات. 

- أوّل ظهور لمصطلح "مسلمين" في المصادر الإسلاميّة كان عام ٧٤١ وقبله كانت التسميّة المفضّلة "مؤمنين".

للحديث بقيّة. 



No comments:

Post a Comment