Saturday, September 21, 2019

الثالوث، طبائع المسيح، وانشقاق الكنيسة


ليس الهدف من الأسطر التالية تلخيص ألفيّ عام من تاريخ المسيحيّة فهذا يتطلّب أسفاراً من الكتب. المقصود هنا تزويد المهتمّين بالحدّ الأدنى من المعلومات كخلفيّة ضروريّة لفهم العلاقة بين الإسلام والمسيحيّة في عهد يوحنّا الدمشقي (النصف الأوّل للقرن الثامن الميلادي) ونظرة هذا القدّيس إلى هذه العلاقة. 

المسيحيّة بجميع أطيافها كيان واحد بالنسبة للغالبيّة العظمى من المسلمين ومعلوماتهم عنها محدودة ومنحازة إلى درجة كبيرة والعكس صحيح: معظم المسيحييّن لا يعرفون شيئاً يذكر عن الملل الإسلاميّة المختلفة مع فارق هامّ ألا وهو اهتمام الأكاديمييّن في الغرب منذ قرون بالدراسات الشرقيّة والإسلاميّة خلافاً لزملائهم الشرقييّن وتحديداً المسلمين. 

لدينا قصةّ فتح مصر على يد عمرو بن العاص. كتب الراحل Will Durant في الجزء الرابع من "قصّة الحضارة" المعنون "عهد الإيمان" أنّ يعاقبة مصر أيّدوا العرب ضدّ مضطّهديهم الأورثوذوكس وحاولوا الانتقام منهم بعد دخول المسلمين ولكن عمرو لم يفهم الفرق بين العقيدتين -ولربّما لم يحاول أو يريد أن يفهم- واقتصر ما فعله على جبي الجزية من جميع المسيحييّن (أي معظم سكّان مصر وقتها) وإعلان حريّة العبادة ومنع أي محاولة للثأر.  أورد فيما يلي نصّ Durant بالإنجليزيّة كما هو ورابط الكتاب موجود في ثبت المراجع أدناه. 

The Monophysites Christians of Egypt had suffered Byzantine persecution; they received the Moslems with open arms, helped them to take Memphis, guided them into Alexandria......Amr prevented pillage, preferring taxation. Unable to understand the theological differences among the Christian sects,  he forbade his Monophysite allies to revenge themselves upon their Orthodox foes, and upset the custom of centuries by proclaiming freedom of worship for all. 


أتعرّض الأن باختصار شديد لأهمّ الخلافات الكنسيّة عبر التاريخ:

خلاف الثالوث Trinity:

أقطابه اثنان من أحبار الاسكندريّة الأوّل Arius والثاني Athanasius. قال الأوّل أنّ المسيح الإبن أتى بعد الأب الخالق وهو مستقلّ عنه ويمثّل الكلمة Logos. إذاً الأب خالق ومنه أتت الكلمة إلى جسم يسوع المخلوق. بالمقابل نادى Athanasius بأنّ الله له جوهر واحد ousia في ثلاث أقانيم hypostases (تظاهرات manifestations) متساوية وجميعها أزليّة. أبرم مجمع نيقية Council of Nicaea الأوّل عام ٣٢٥ للميلاد أمره بحرمان excommunication ونفي Arius وهنا تجدر الإشارة أنّ البعض يقول أنّ الراهب بحيرا الشهير في التاريخ الإسلامي كان من أتباع آريوس.

لخلافات التجسّد Incarnation عدّة مذاهب:

الأوّل مذهب اليعاقبة (نسبة إلى السوري Jacob Baradæus) أو أصحاب الطبيعة الواحدة Monophysitism. يقول هؤلاء أنّ للمسيح طبيعة مركّبة Composite واحدة إلهيّة ولا يميّزون بين الطبيعة والأقنوم. أدان مجمع خلقيدونية  Council of Chalcedon هذا الفكر عام ٤٥١.
الثاني مذهب النساطرة نسبة إلى كبير أساقفة القسطنطينيّة Nestorius. يقول هذا المذهب بأنّ للمسيح طبيعتين (وأقنومين) إلهيّة وبشريّة مع التركيز على الثانية. يترتبّ على هذا أنّ مريم العذراء أمّ يسوع الإنسان وليست أمّ المسيح الإله. اتّهم نسطوريوس بالهرطقة وأدين فكره في مجمع افسوس Council of Ephesus عام ٤٣١.
الثالث هو مذهب Athanasius الأورثوذوكسي الذي كرّسه مجمع خلقيدونية عام ٤٥١ ويقول بأنّ المسيح أقنوم واحد له طبيعتين. أصبح هذا المذهب رسميّاً وهو ما يعرف بالأورثوذوكسيّة حاليّاً وكان يدعى سابقاً الملكيّة Melkite.
الرابع Monothelitism محاولة من قبل الإمبراطور هرقل Heraclius لإيجاد تفاهم بين اليعاقية والأورثوذوكس لم يكتب لها النجاح وتقول أنّ للمسيح إرادة واحدة وطبيعتان.  

الخلاف بين الشرق (القسطنطينيّة) والكنيسة اللاتينيّة الغربيّة (روما):

أدّى الضعف المتزايد لإمبراطور بيزنطة وزيادة المسافة الفاصلة بينه وبين المسيحييّن في الغرب إلى تعاظم النفوذ الزمني والديني للبابا في روما خاصّة في أعقاب تتويج شرلمان Charlemagne على رأس الإمبراطوريّة الرومانيّة المقدّسة عام  ٨٠٠ (شتّان بين هذا العهد وبين عهد جستينيان في القرن السادس) ومن المتوقّع في هذه الظروف تفاقم الصراع على زعامة العالم المسيحي الروحيّة إلى أن أتى الانشقاق الكبير Great Schism عام ١٠٥٤ على مسألة filioque وهي باختصار عن الروح القدس إذ ارتأى الشرقيّون أنّه ينبثق من الأب بينما عارضهم اللاتين أشدّ معارضة وأكّدوا أنّ مبعث الروح القدس الأب والإبن معاً. استمطر الطرفان اللعنات على بعضهما بعضاً بعد هذه القشّة التي قصمت ظهر البعير. جرت محاولة لتسوية الخلاف في القرن الرابع عشر من قبل الإمبراطور John V Palaeologus الذي دفعه التهديد التركي المتزايد إلى الذهاب إلى روما وطرح نفسه على قدميّ البابا Urban V عام ١٣٦٧ في محاولة يائسة منه لحمل هذا الأخير على المناداة بحملة صليبيّة جديدة ولسوء حظّه لم يتمتّع بابا هذا العهد بمهابة Urban II أو Innocent III الذين ارتعدت أوصال ملوك أوروبا من تهديدهم بالحرمان الكنسي excommunication في الماضي عندما عنى هذا أنّ الحرب ضدّ الملك المحروم لها قدسيّة الحملات الصليبيّة وأنّ "الشهيد" فيها يذهب إلى جنات النعيم مباشرة ويمكن أن يمتدّ هذا العقاب إذا استمرّ الملك المغضوب عليه بالتمرّد ولجّ في العصيان إلى بلده بكاملها interdict وهذا يعني حرمان الجميع من العمادة والزواج الكنسي والصلاة على روح الأموات وهي عقوبات رهيبة بل عقوبات قصوى في زمن عاش فيه الناس على الكفاف في هذه الدنيا بانتظار النعيم الأبدي الموعود.  

الإصلاح الديني:

تاريخه طويل وأعلامه كثيرون وأشهرهم Martin Luther و John Calvin في مطلع القرن السادس عشر (تزامن معهما انشقاق الكنيسة الإنجليزيّة في عهد الملك هنري الثامن لأسباب دنيويّة بالدرجة الأولى). أذّنت هذه الحركات بصعود البروتستانتيّة-الإنجيليّة بفروعها العديدة التي لا مجال للدخول فيها هنا ولا علاقة لها في كلّ الأحوال بعهد القدّيس يوحنّا. الفروق بين المذاهب البروتستانتيّة كثيرة وحسبنا القول أنّها عموماً كارهة للأيقونات Iconoclastic ولا يوجد فيها بنية كنسيّة منظّمة ecclesiastical وتشدّد على أهميّة تعرّف المؤمنين على الكتاب المقدّس مباشرة (وليس فقط عن طريق الكهنة) مع تركيز خاصّ على مكانة العهد القديم. 

للحديث بقيّة. 






No comments:

Post a Comment