Sunday, June 8, 2025

تنابلة الصبيان وتنابلة الخرفان

 


نشر الفنّان الراحل حجازي القصّة المسلسلة الثانية لتنابلة الصبيان على صفحات مجلّة سمير بداية من العدد ٦٢٧ (الرابع عشر من أيّار مايو عام ١٩٦٨) ونهايةً بالعدد ٦٧٥ في السادس عشر من آذار مارس ١٩٦٩). يروي المؤلّف عبر الصور والحوار كيف تحوّل الصبية الطفيلييّن الكسالى إلى طغمةٍ من النصّابين في سردٍ لا يخلو من النقد المبطّن للدول العربيّة عموماً ومصر خصوصاً كما يتجلّى بالاستقراء بين الأسطر. 



الحكاية باختصار أنّ التنابلة قرّرو في يومٍ من الأيّام تأسيس شركة وطنيّة للبلوبيف المعلّب. الهدف، حسب تصريحاتهم، إنشاء مشروع مفيد للبلد وتوفير عمل للمواطنين بأجور مغرية. أطلق التنابلة على مصنع البلوبيف تسمية "تنابلة الخرفان" لأنّ الخروف التمبل، كما قال تمبول، هو الخروف الصالح للأكل على اعتبار أنّه "سمين ولذيذ". 


اكتشف التنابلة، بعد أن ذهبت السكرة وأتت الفكرة، أنّه ليس لديهم أدنى فكرة عن صناعة البلوبيف وأنّهم حتّى لا يملكون رأس المال اللازم لشراء المواد الأوّليّة والمعدّات ودفع مستحقّات العمّال والموظّفين خصوصاً بعد أن صرفو مبالغ طائلة على الدعاية التي لا غنى عنها في البداية على الأقلّ. ما العمل؟ 



تلخّص الحلّ كما تفتّق عنه ذهن التنابلة في عمليّة احتيال من الألف إلى الياء عن طريق:


- أوّلاً: شراء كلّ البلوبيف المستورَد من الأسواق ونزع البطاقات التي تحمل ماركته المسجّلة وإلصاق بطاقات "تنابلة الخرفان" عوضاً عنها (عمليّة مشابهة مع المبالغة الروائيّة طبعاً لتجميع قطع الآلات الأجنبيّة في سبيل إنتاج "سلع محليّة" كما في تلفزيون سيرونيكس في سوريّا مثلاً اعتباراً من النصف الثاني للسبعينات). 

- ثانياً: "تعاقد" التنابلة مع عصابة اللصّ علي عليوة الذي قام بنشل رواتب الموظّفين لحسايِهِم خلال ساعاتٍ من قبضها في أوّل الشهر وبهذه الطريق تمكّنوا من الحصول على جهاز إداري ويد عاملة بالمجّان عن طريق إعادة دفع نفس النقود أوّل كل شهر ثمّ نشلها ثمّ دفعها في الشهر الثاني وهكذا دواليك. اللعبة تشبه ما مارسه جامعو الأموال في أكثر من مكان وعلى مدى أجيال. يُدْعى هذا الأسلوب في النصب في الغرب Ponzi Scheme وعلى قول المثل "من دهنو سقّيلو". 



لا يمكن لهرمٍ من الأكاذيب من هذا النوع أن يستمرّ إلى الأبد، أو على الأقلّ لا مجال له في الاستمرار بوجود العين الساهرة لبطلنا سمير الذي أدرك دون عناء ومنذ البداية أنّ التنابلة كاذبون وأنّ مصنعهم وهمي وأنّ بضائعهم "الوطنيّة" ليست إلّا بلوبيف أجنبي أُعيد تغليفه فقط (لم يجشّم التنابلة أنفسهم حتّى عناء تبديل العلب). بالمقابل لم يشأ حجازي أن يعطي قرّاءه خاتمةً سعيدةً على منوال قصص الأطفال ومال إلى تصوير الواقع كما هو إذ نجح التنابلة بمنتهى الدهاء في إلصاق الجريمة بشريكهم النشّال علي عليوة وإقناع الرأي العامّ أنّه المسؤول الوحيد عن السرقات وأنّهم أبرياء براءة الذئب من دم يوسف وهكذا هتفت الحشود "أرواحنا فداء للتنابلة"، "عاشت شركة البلوبيف"، و"نموت ويحيا التنابلة" تماماً كما في هتافات "بالروح بالدم" في عدّة بلدان عربيّة ملكيّةً كانت أم جمهوريّة. 



لم يكن هذا النجاح كافياً لأكثر من سبب وفَهِم التنابلة في نهاية المطاف أنّ أيّام سَعدِهم أصبحت معدودةً وهكذا قرّرو الرحيل بعد أن تركو ثلاثة صبيان لقطاء قامو بإطعامعم وتسمينهم وألبسوهم ثياباً مشابهةً لثيابهم لتقبض الشرطة عليهم عوضاً عنهم بينما حمّل النصّابون الثلاثة كميّةً من علب البلوبيف على متن زورقٍ ولاذوا بالفرار وتركو "الشقا على من بقا" كما هي القاعدة في الحياة التي نعرفها مع شديد الأسف.

No comments:

Post a Comment