Saturday, December 21, 2019

شهادات الجامعة السوريّة في عهد الانتداب الفرنسي


ترجم تفكيك الإمبراطوريّة العثمانيّة السياسي في أعقاب الحرب العالميّة الأولى إلى تفكّك على الأصعدة العلميّة والفكريّة. كان لخرّيجيّ المدرسة الطبيّة العثمانيّة في دمشق ملء الحقّ في ممارسة مهنتهم أنّى شاؤوا ضمن حدود الإمبراطوريّة ولكن الواقع الجديد الذي خلقه تقسيم الشرق الأدنى إلى مناطق نفوذ بريطانيّة وفرنسيّة أدّى -في جملة ما أدّى إليه- إلى بلبلة أكاديميّة عجز فيها الأطبّاء والحقوقيّون الجدد من معهديّ دمشق عن الحصول على تراخيص عمل في الكيانات الجديدة المجاورة. لم يقتصر الضرر على السورييّن بل امتدّ ليشمل الطلّاب العرب في المؤسّسات التعليميّة السوريّة فمثلاً تواجد في دمشق في مطلع عهد الانتداب عشرون طالباً مصريّاً لم تعترف مصر بشهاداتهم السوريّة (تأخّر الاعتراف المصري بشهادة معهد الطبّ السوريّة حتّى عام ١٩٣٩).  

اعترفت دولة الانتداب الفرنسيّة رسميّاً بالجامعة السوريّة في الخامس عشر من حزيران عام ١٩٢٣ ومع ذلك بقي في فرنسا الكثيرون ممّن أثاروا العقبات وأشار صبحي بركات -رئيس اتّحاد الدول السوريّة- في رسالة بتاريخ الخامس من نيسان عام ١٩٢٤ إلى جهل رئيس جامعة باريس المطبق بالجامعة السوريّة ومناهجها وبناءً عليه تمّ تزويده ببرامج الدروس مع تفاصيل عن مجلس الجامعة السوريّة الذي ضمّ في الحادي والثلاثين من آذار لنفس العام الأساتذة رضا سعيد (حامل وسام جوقة الشرف الفرنسي légion d'honneur) ومحمّد كرد علي رئيس المجمع العلمي وعبد القادر العظم عميد معهد الحقوق والأطبّاء مرشد خاطر ومنيف العائدي وحمدي الخيّاط وأساتذة الحقوق ومنهم فارس الخوري وفوزي الغزّي. أسماء معظم هؤلاء غنيّة عن التعريف. 

وافقت فرنسا على معادلة الشهادات السوريّة قبل الدول المجاورة (فلسطين ومصر والعراق وتركيّا) بدلالة سفر الدكتور حسني سبح للتخصّص في جامعة Montpellier  في الأمراض العقليّة والعصبيّة عام ١٩٢٤. التمس الحقوقيّون والأطبّاء الجدد من سلطات الانتداب الفرنسي أن تستعمل نفوذها لمساعدتهم على اعتبار شهاداتهم في سائر الكيانات الجغرافيّة-السياسيّة الجديدة في المنطقة وتفاوت نجاحهم في الوصول إلى هذه الغاية بتفاوت الاستجابة خصوصاً وأنّ الأمر لم يكن بيد فرنسا فقط وإنّما عرضة لتيّارات السياسات البريطانيّة (خصوصاً فيما يتعلّق بفلسطين والمشروع الصهيوني) والتركيّة التي تمخّضت بالنتيجة عن تغييرات جذريّة ليس أقلّها نبذ الأبجديّة العربيّة واعتماد الحرف اللاتيني. 

للحديث بقيّة. 






No comments:

Post a Comment