Monday, December 16, 2019

كيف تضرب زوجتك دون ألم


تشكّل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الحديثة معيناً لا ينضب للغربييّن الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن المرأة العربيّة وخصوصاً المرأة المسلمة التي تحيا تحت رحمة الرجل في مجتمع ذكوري لا يرحم. ليست هذه الصورة بالدقيقة لأكثر من سبب منها أنّ في حياة كل رجل -حتّى لو لم يكن له أخت ولم يتزوّج ولم ينجب- امرأة واحدة على أقلّ تقدير هي أمّه تلعب دوراً جوهريّاً في بلورة شخصيّته شاء أم أبى. السبب الثاني أنّ المسلم والعربي ليس أقلّ عرضة من الغربييّن للتعلّق بامرأة رغم كونه في معظم الأحوال أقوى منها بدنيّاً -بتعريف ضيّق يعتمد على كتلة العضلات ليس غير- وقانونيّاً (في الشرق الأدنى على الأقلّ). هناك أيضاً استثناءات فليس من المستحيل أن تضرب الأنثى ذكرها كما في حال شريف Nottingham السكّير العربيد الذي توسعه قرينته  Cunégonde ضرباً بالشوبك كلّما عاد إلى البيت متأخّراً ومخموراً (من أكثر أبطال مجلّة tintin البلجيكيّة الشهيرة شعبيّة في السبعينات ومطلع الثمانينات). 

أهمّ من ذلك أنّ ضرب النساء في الغرب "المتحضّر" لا يقلّ عنه في العالم العربي إطلاقاً ويساعد عليه الكحول والمخدّرات وأمراض اجتماعيّة خاصّة بالغرب لا داعي للدخول بها هنا ويجب أيضاً ذكر الأمراض العقليّة كالماسوشيّة (من يحبّ أو تحبّ الأذيّة النفسيّة والجسديّة والإهانة وعكسها الساديّة) ولكن هذه علل تستوجب العلاج وليست القاعدة والطبيعة. 

هناك مع كلّ هذه التحفّظات فرق هامّ: هناك نصّ قرآنيّ صريح يجيز ضرب المرأة إذا "نشزت" وإن كان هذا آخر الحلول عندما يفشل الوعظ وهجر المضاجع ولا يوجد مقابل هذا النصّ أي تشريع مدني في الغرب يعطي للرجل هذا النوع من "الحقوق" لا من قريب ولا من بعيد. باستطاعة المرأة الغربيّة -على الأقلّ من الناحية النظريّة- أن تطلب حماية الشرطة وحضانة الأطفال لا بل بإمكانها أن تطرد زوجها -أو صديقها- من البيت وتحصل على أمر محكمة يحظر عليه الاقتراب منها تحت طائلة إيداعه السجن. 

دفعني إلى كتابة هذه الأسطر منشور على الفيسبوك في إحدى المجموعات قرأته منذ بضعة أيّام يناقش هذا الموضوع بالذات علّق عليه عشرات الأشخاص كلّ يبدي بدلوه ومن الملفت للنظر أنّ جميعهم كانوا من الذكور مع استثتاء او ربّما إثنين. هل هذا يعني موافقة ضمنيّة من المرأة أن تضرب (بضمّ التاء) على مبدأ أنّ "السكوت علامة الرضى"؟! يجب التوكيد هنا أنّنا نتعامل مع نصّ قرآني صريح وأنّ العلماء متّفقون سنّة وشيعة أنّه "لا اجتهاد في النصّ" وبالتالي غاية ما يمكن عمله من الناحية الشرعيّة تفسيره وليس تبريره فكلام الله ليس بحاجة إلى تبرير. 

الأمر الثاني الملفت للنظر هي الطريقة التي تفنّن فيها المعلّقون في التهوين من شأن الضرب والمنقولة دون تصرّف عمليّاً عن مشايخ الانترنتّ وفيما يلي مسطرة من الشروح والتبريرات:

١. الضرب يجب أن يكون معتدلاً وألّا يترك كدمات على جسد المرأة وألاّ يؤدّي إلى كسر عظامها أو جرحها أو تشويهها. 
٢. يجب تجنّب الضرب على الوجه.
٣. يمكن استعمال المسواك (ما يقابل فرشاة الأسنان عند العرب) للضرب "بلطف".
٤. هناك من أفتى بأنّ ضرب المرأة ليس ما نفهمه من كلمة "الضرب" وأنّ لها معنى آخر باللغة العربيّة. بعبارة ثانية أسأنا فهم النصّ.
٥. يجوز الضرب فقط بعد فشل الوعظ أمّا "الهجر في المضجع" فقد أفتى بعضهم أنّه قد يعاقب الذكر عوضاً عن الأنثى لأنّ الجماع حقّ من حقوقه عليها لا جدل فيه. 

إلخ إلخ إلخ ولعمري لست أدري هل "ضرب الحبيب زبيب" أو هل الكلام عن "المسّاج والتدليك" وليس الضرب. 

عودة على بدء نعم هناك نساء يضربن أزواجهنّ وإن كنّ قلّة لا يعتدّ بها ولكن على علمي لا يوجد نصّ في أي شريعة سماويّة أو أرضيّة يبيح أن تضرب المرأة زوجها وقبل أن ينصّب كلّ من هبّ ودبّ نفسه مفتياً في الممارسات التي يحقّ له اتّباعها مع زوجته أذكّر بأنّ الذي يتلقّى الضرب هو المرأة في ٩٠% من الحالات على أقلّ تقدير وبالتالي أجدر بنا أن نطرح سؤال "هل تستسيغ المرأة الضرب"  وأن نطلب من المرأة الإجابة عليه قبل التساؤل "هل يحقّ لي أن أضربها".  





No comments:

Post a Comment