لربّما كان هذا الكتاب الجميل من منشورات وزارة الثقافة عام ٢٠٠٠ آخر عمل للدكتور عبد القادر الريحاوي رحمه الله، ويشترك مع سابقه "العمارة في الحضارة الإسلاميّة" الذي صدر عام ١٩٩١ في الكثير، منها مقدمّة مفصّلة عن السمات المشتركة للعمارة الإسلاميّة بشكل عامّ أو ما أسماه "بالمدرسة الأمّ"، ينتقل بعدها إلى دراسة المدارس المتفرّعة عنها على مدى العصور وعلى امتداد جغرافيّ واسع من الهند والسند شرقاً إلى إسپانيا وشمال أفريقيا غرباً، ومن اليمن جنوباً إلى آسيا الصغرى والقسم الأوروپّي من تركيّا الحاليّة شمالاً. خَتَمَ المؤلّفُ الكتابَ بحوالي ثلاثين صفحة خصّصها للمصطلحات بالعربيّة مع مقابلها بالإنجليزيّة والفرنسيّة (كما فعل في كتابه السابق)، يليها سرد المراجع العربيّة والأجنبيّة.
هذا لايعني أنّ الكتاب الجديد مجرّد تكرار للسابق بحلّة جديدة. ركّز "قمم عالميّة" على عددٍ أقلّ من الأوابد في محاولة لتسليط الأضواء على ما اعتبره ذروة الإبداع على مستوى العالم الإسلامي بأسره، مع اختصار الحيّز المخصّص للأقلّ أهميّة أو حتى إغفال ذكره، خاصّة إذا كانت شهرته بالدرجة الأولى محلّية. ركّز الكتاب أيضاً على الخلفيّة التاريخيّة وأعطاها عدداً أكبر من الصفحات من سابقه، كما خصّصَ فصلاً كاملاً جديداً (الأوّل بعد المقدّمة) للحرمين في مكّة والمدينة، وخَتَمَ (الفصل الرابع عشر) ببحثٍ عن البيت العربي وتطوّره.
الكتابٌ موزعٌ عل جزأين و ٧٠٠ صفحة بقياس ١٧ في ٢٣ من عشيرات المتر، ويحتوي على العشرات من الصور معظمها ملوّن مع الكثير من الإسقاطات والمخطّطات. تتسلسل فصول الكتاب كما يلي:
١. الحرمان الشريفان المكّي والمدني ويتعرّض فيه للأصول والتوسّعات اللاحقة. لا نجد هنا - لحسن الحظّ - ذكراً لبرج الساعة القبيح الذي بُنِيَ بعد نشر الكتاب بسنوات، لا لقيمةٍ دينيّةٍ أو جماليّة، وإنّما لإشباع غرور البعض وملء جيوب البعض الآخر. حدث شيء مشابه في فندق الفصول الأربعة في دمشق وإن كان على مستوى أقلّ تواضعاً.
٢. الحرم الشريف في القدس، أي المجمّع الذي يشمل قبّة الصخرة والمسجد الأقصى، الذي زارَهُ الريحاوي قبل أن تستولي عليه إسرائيل عام ١٩٦٧.
٣. الفصل الثالث مخصّص لجامع بني أميّة الكبير في دمشق (للمؤلّف كتاب مستقلّ عن هذا الجامع أُعيدَ طَبْعُهُ عام ٢٠٠٤).
٤. العمائر العبّاسيّة وبغداد المنصور (المندثرة) وبقايا سامرّاء.
5. تونس وجامع القيروان وعمائر الأغالبة.
٦. جامع قرطبة وتوسّعاته على مدى أكثر من قرنين من الزمن، وهو أحد أجمل فصول الكتاب.
٧. القاهرة وتطوّرها من الفسطاط (بداية العهد الإسلامي)، مروراً بالعسكر (العهد العبّاسي)، فالقطائع (العهد الطولوني)، فقاهرة المعزّ لدين الله وعامله جوهر الصقلّي. يتعرَض الكاتب لسور وأبواب المدينة والجامع الأزهر وغيرها من المعالم الفاطميّة، قبل أن ينتقل إلى العهد الأيّوبي (الذي ترك معالماً في الشام أكثر من مصر)، فالمملوكي الذي شهد اتّساع المدينة وازدهارها. هذا الفصل أيضاً من أجمل فصول الكتاب وهو مفيد للغاية للمهتمين بمعالم القاهرة ولا يملكون الوقت لاستشارة مؤلّفات أكثر تفصيلاً.
٨. قلعة دمشق. بحث فيه المختصر المفيد عن هذا الصرح الأيّوبي الشديد الأهميّة. للدكتور ريحاوي كتاب مستقلّ عن هذه القلعة يتجاوز طوله ٥٠٠ صفحة لمن يرغب في التوسّع.
٩. مدرسة الفردوس في حلب.
١٠. عمارة المغرب الأقصى.
١١. قصر الحمراء في غرناطة الذي اعتبَرَهُ المؤلّف قمّة العمارة الإسلاميّة في المغرب. أيضاً من أجمل وأغنى فصول الكتاب.
١٢. عمائر إيران (بالذات أصفهان)، وتركستان، والهند. تاج محلّ في أغرا، في رأي الريحاوي، قمّة العمارة الإسلاميّة في الشرق، وصنو قصر الحمراء في غرناطة في الغرب بالجمال والإبداع.
١٣. الجوامع العثمانيّة وتأثّرها بكنيسة جستنيان البيزنطيّة آيا صوفيا ثمّ تطوّرها.
١٤. الفصل الأخير مخصّص للبيت العربي الذي نرى نماذج مبكّرة باذخة له في البادية، كما في قصر الحير مثلاً، أمّا في المدن فلا توجد بقايا تستحقّ الذكر سابقة للعهد المملوكي وإن كانت هناك أدلّة لا بأس بها على شكل وتوزيع البيت الذي يشبه المدرسة إلى حدّ كبير، وبالفعل تخبرنا المصادر أنّ بعض البيوت أصبحت مدارساً (من أشهرها دار العقيقي في دمشق التي تحوّلت إلى المدرسة الظاهريّة)، وأنّ بعض المدارس استعملت لسكن العلماء (ابن خلّكان في المدرسة العادليّة مثلاً).
يحتوي الكتاب على العديد من الصور بجودةٍ مقبولة بيد أنّ توزيعَها أقرب إلىى الاعتباطيّة: منها ما يرافق النصّ ومنها مستقلٌّ عنه. ترقيم الصور أيضاً عشوائيٌّ أو يكاد، وإن لم يمنع القارئ من الاستفادة منها والاستمتاع بها.
طيّب الله ثرى عبد القادر الريحاوي.

No comments:
Post a Comment