Monday, September 25, 2017

ولاية دمشق ١٧٢٣ - ١٧٨٣


لا تزال دراسة الدكتور عبد الكريم رافق بعد نصف قرن أفضل الموجود عن التاريخ السياسي لدمشق خصوصاً وجنوب سوريّا عموماً في القرن الثامن عشر، وتبقى النتائج التي توصّل إليها مرجعاً لا غنى عنه لمن تبنّاها كما هي ومن تحفظّ عليها أو على بعضها (Carl Barbir مثلاً في دراسة نشرت عام ١٩٨٠). اعتمد رافق على مصادر أصليّة من المخطوطات التاريخّية ومراسلات الدپلوماسييّن الفرنسييّن والإنجليز وسرد الرحّالة الأوروپييّن والمؤلّفات المعاصرة واللاحقة بعدّة لغات، وقام بهذه الدراسة منطلقاً من أبحاثٍ للحصول على دكتوراة من جامعة لندن. صدر الكتاب عام ١٩٦٦ وبلغ عددُ صفحاتِهِ ٣٧٠. 

____________

تميّز القرن السابع عشر بقصر ولاية حكّام دمشق الذين لا نكاد نعرف عنهم شيئاً، اللهمّ إلّا الاسم وتاريخ التولّي وتاريخ الإقالة. تغيّر هذا الوضع جذريّاً في بدايات القرن الثامن عشر عندما أُعفي ولاةُ دمشق من مهمّة تزويد السلطان بجنودٍ لحروبٍ لا نهايةَ لها في مختلف أصقاع الأرض، وكُلِّفوا عوضاً عن ذلك بإمارة الحجّ البالغة الأهميّة من الناحيتين الدينيّة والسياسيّة. أدّى هذا بالنتيجة إلى تمديد ولاية عدد لا بأس به من حكّام دمشق طالما تكفّلوا بمهمّتهم الأساسيّة، ألا وهي تجهيز وتمويل قافلة الحجّ والسهر على سلامتها ذهاباً وأياباً، ممّا يستلزم غياب الوالي عن الشام عدّة أشهر كلّ سنة. لَعِبَت عواملٌ عديدة (إضافةً إلى الحجّ) دَوْرَها في حفاظ الوالي على منصبه، ومن أهمّها "الواسطة" التي تمتّع بها في القسطنطينيّة، سواء كانت صلاتَهُ مع الصدر الأعظم أو الكزلار آغا (رئيس خصيان حريم السلطان)، أو أعوانهما، ثمنُ هذه الواسطة المال بطبيعة الحال. 

____________

فلنتعرّف باختصار على أهمّ ولاة دمشق في القرن الثامن عشر والأحداث الرئيسة التي جرت في عهدهم:

١. نصوح باشا (١٧٠٨-١٧١٤). أصبح والي دمشق في عهدِهِ أميراً للحجّ.

٢. عثمان باشا أبو طوق تولّى دمشق مرّتين ١٧١٩-١٧٢١ و ١٧٢٣-١٧٢٥. كان واسع النفوذ بيد أنّهُ أقيل بعد أن تمرّد الدمشقيّون على ممارساتِهِ.

٣. إسماعيل باشا العظم تولّى الشام  ١٧٢٥-١٧٣٠، وهو أوّل الولاة من أبناء البلاد، وأوّل حكّام دمشق من آل العظم. حاول كغيرِهِ إثراءَ نَفْسِهِ وعائلتِهِ بوسائل تفاوتت درجةُ "شرعيّتها"، كاحتكار بيع اللحوم مثلاً، وتوصّل إلى تعيين أقربائِهِ في مواقع حسّاسة إلى درجة نجاح آل العظم، ولو إلى حين، في التولّي المباشرة أو عن طريق "المالكانات" لأقاليم دمشق وصيدا وطرابلس وحماة والمعرّة في نفس الوقت، ودون أدنى محاولة للاستقلال عن الدولة العثمانيّة. اقتصرت طموحات الأسرة على اكتساب المال والنفوذ تحت هيمنة القسطنطينيّة. أُقيلَ ولاة العظم، على الرغم من ذلك، بالجملة في تشرين ثاني ١٧٣٠ وصدر فرمان شاهاني أو فرمانات بمصادرةِ أموالِهم وسجنِهم.

٤. عبد اللّه باشا أيضنلي ١٧٣١-١٧٣٤ نجح في تأمين سلامة قافلة الحجّ لثلاث سنوات متتالية.

٥. سليمان باشا العظم (أخو إسماعيل باشا) تولّى دمشق ١٧٣٤-١٧٣٨ و ١٧٤١-١٧٤٣. بنى الخان المعروف باسمِهِ في دمشق وتميّز عهدُهُ بصعود نجم فتحي أفندي الفلاقنسي (الدفتردار أو الدفتري) في دمشق، والمغامر ظاهر العمر الذي تمركزَ في طبريّا وصفد وعكّا. مات سليمان باشا في إحدى حملاته ضدّ ظاهر العمر. 

٦. أسعد باشا العظم (إبن إسماعيل باشا). أشهر ولاة هذه الأسرة وأقواهم. حكم ١٣ سنة من ١٧٤٣ إلى ١٧٥٧، وشهد عهدُهُ في دمشق بناءَ الخان الشهير في سوق البزوريّة والقصر المعروف باسمه. تميّزت سياسته الخارجيّة بتجنّب الاحتكاك مع ظاهر العمر، أمّا على الصعيد الداخلي فقد كسِبَ صراعاً على السلطة ضدّ فتحي الدفتردار، الذي قُتِلَ وسُحِلَت جثّتُهُ بعد أن هاجم أتباع أسعد باشا أنصار فتحي أفندي في سوق ساروجا والميدان ونهبوا وأحرقوا كما هي العادة في مجابهاتٍ من هذا النوع. فقد أسعد باشا بالنتيجة ولايتَهُ أوّلاً، ورأسَهُ ثانياً (قُتِل ١٧٥٨)، بعد اتّهامِهِ بالضلوع في هجوم للبدو على قافلة الحجّ عام ١٧٥٧ أودى بحياة أخت السلطان. لا يوجد دليل على صحّة هذه التهمة، وما قرّر مصير أسعد باشا كان على الأغلب عدّة عوامل منها تغيّر المُمْسكين بمقاليد الأمور في القسطنطينيّة، وضرورة إيجاد كبش فداء لتحميله مسؤوليّة الكارثة التي حلّت بالقافلة، وحاجة السلطان إلى المال الذي بمكن الحصول عليه بمصادرة ثروة أسعد باشا. تجدر هنا الإشارة إلى لجوء الولاة عموماً إلى ابتزاز الريف لتوفير الحدّ الأدنى من حاجات المدينة، وتمويل الحجّ، وكنز الأموال أو إنفاقها على المدارس والجوامع والخانات والدور الباذخة. 

٧. ولاية عثمان باشا الكرجي ١٧٦٠-١٧٧١. شهدت هذه الفترة على الصعيد الدولي بداية حرب روسيّة - عثمانيّة (١٧٦٨-١٧٧٤)، أمّا في الشرق الأدنى فهناك تمرّد المملوك علي بك الكبير في مصر وتحالفه مع ظاهر العمر. استطاع قائد جيش علي بك، المملوك محمّد بك أبو الذهب، أن يهزم عسكر عثمان باشا ويدخل إلى دمشق في حزيران ١٧٧١، بيد أنّهُ أضمر خططاً مختلفة عن علي بك، وهكذا انسحب من دمشق بعد أيّام من احتلالها بحجّة أنّ مهمتّه انتهت مع فرار عثمان باشا.

٨. تولّى محمّد باشا العظم (حفيد إسماعيل باشا وزوج ابنة أسعد باشا) دمشق مرّتين ١٧٧١-١٧٧٢ و ١٧٧٣-١٧٨٣. شهد عهدُهُ موت علي بك الكبير ومقتل ظاهر العمر، ممّا خلق فراغ قوّة power vacuum، شَغَلَهُ بالنتيجة مغامر جديد: أحمد باشا الجزّار

٩. آخر ولاة دمشق من هذه الأسرة خارجٌ عن الفترة قيد الدراسة. حكم عبد الله باشا العظم ثلاث مرّات بين ١٧٩٥ و ١٨٠٧، أمّا عن الجزّار فقد تولّاها أربع مرّات بين ١٧٨٤ و ١٨٠٤، وإن كان مركز قوّته الحقيقي في صيدا وعكّا، بينما أضفت عليه ولاية دمشق المزيد من المهابة ليس إلّا. 

____________

خصّص الدكتور رافق آخر ٢٠ صفحة من الكتاب للتعريف بالمراجع التي استعملها، وذكر ما لها وما عليها. البديري الحلّاق أحد أهمّ المصادر للفترة ما بين ١٧٤١ و ١٧٦٢، وهناك أيضاً تاريخ الشام لميخائيل بريك عن الفترة ١٧٢٠-١٧٨٢، والأمير حيدر أحمد الشهابي فيما يتعلّق بجبل لبنان. بالنسبة للتراجم هناك "سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر" للمرادي، بيد أنّه ركّز على علماء الدين ولم يذكر من آل العظم إلّا محمّد باشا؛ إلى آخر المصادر.

____________

لا أعلم إذا كان هناك ترجمة عربيّة لهذا الكتاب النفيس. للدكتور رافق دراسة ثانية باللغة العربيّة بعنوان "بلاد الشام ومصر من الفتح العثماني إلى حملة ناپوليون"، غطّت فترة زمنيّة أطول ومساحة جغرافيّة أوسع، وهذا بالطبع غير ممكن دون اختصار الكثير من التفاصيل بما في ذلك من المحاسن والمساوىء. 


No comments:

Post a Comment