Friday, September 29, 2017

المجابهة بين الأسد والمعارضة




لا يخلو الفصل الثالث من كتاب الدكتور van Dam من التناقضات، وأحد المطارحات المتواترة في أكثر من مكان (صفحة ٩٧ مثلاً) أنّه لو ساعدت الولايات المتّحدة والغرب "الجيش الحرّ المعتدل" بما فيه الكفاية فلربّما سارت الأمور في مسار مختلف عمّا جرى فعلاً، أي ظهور الأكراد المقاتلين وصعود نجم الإسلامييّن المتطرّفين، وعلى رأسهم الدولة الإسلاميّة أو داعش (صفحة ١٠٠). بالطبع لم يكن المؤلّف الوحيد الذي جادَلَ بهذا المنطق، فهناك جيوش جرّارة من الخبراء والصحافييّن والسياسييّن العرب والأجانب الذين يُدْلون بنفس الرأي. لا بدّ هنا من بعض إشارات الاستفهام:

أوّلاً: هل من الصحيح أنّ الجيش الحرّ لم يتلقّ ما يكفي من الدعم؟ من ناحية التغطيّة الإعلاميّة، أخذت "المعارضة المعتدلة" دعماً غير محدود، بدايةً من فضائيّات قطر والسعوديّة حتّى أوروپا، وعبر الأطلنطي إلى أمريكا. من ناحية المال من الصعب القول أنّ سوريّا تملك معشار ثروة دول الخليج والنفط لتنفِقَهُ على المرتزقة، سواء كانوا من المسلّحين أم ممّن يُسَمّونَ بالصحفييّن تجاوزاً كالسيّدين فيصل القاسم وأحمد منصور . من ناحية العدد والعدّة الميزانُ راجحٌ لصالح المعارضة، اللهمّ إذا استثنينا سلاح الطيران، وحتّى هذا السلاح لم يكن دائماً حكراً على الجيش السوري: الطيران الإسرائيلي بين وقت وآخر يسرح ويمرح في الأجواء السوريّة وكأنّه يقول "نحن هنا"، وإسرائيل قدّمت - إنسانيّة منها ما في ذلك من شكّ - عنايةً طبّيةً مجّانية للثوّار المعتدلين وغير المعتدلين. لربّما كانت الأفضليّة الوحيدة للجيش السوري أنّه حارَبَ على أرضِهِ ودفاعاً عن وجودِهِ. 

ثانياً: على فرض أنّ الجيش الحرّ فَشِلَ لقلّة الدعم، هل هذا يعني أنّ نجاح داعش والنصرة نَتَجَ عن توافر هذا الدعم؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن الذي دعم هؤلاء المتطرّفين خاصّة وأنّ العالمَ كلّهُ  - على الأقلّ من الناحية النظريّة - ضدّهُم؟ كَتَبَ المؤلّف (صفحة ١٠١) أنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة نشأ في العراق بعد الإطاحة بالرئيس صدّام حسين على يد الأمريكييّن والإنجليز عام ٢٠٠٣، وأضاف في الصفحة ١٠٢ (نقلاً عن Christopher Phillips) أنّ "انسحاب الولايات المتّحدة السابق لأوانِهِ" من العراق عام ٢٠١١ ترك ورائه جيشاً عراقيّاً ضعيفاً، سَهُلَ على داعش أن تهزمه في الموصل عام ٢٠١٤. يُفْهَمُ من هذا الكلام أنّه لولا الغزو الأمريكي للعراق لما كانت داعش، ومع ذلك فانسحاب أمريكا "السابق لأوانِهِ" هو الذي أدّى لأن تملأ داعش فراغ القوّة بعد سقوط صدّام حسين. إذاً تبقى أمريكا (المقصود بالطبع صنّاع القرار في أمريكا) هي الحلّ، رغم أنّها هي التي خلقت المشكلة أساساً، على الأقلّ إذا فهمت أنا فحوى المكتوب.  

ثالثاً: تسائلَ الدكتور van Dam (صفحة ١١٥) وبحقّ عن السبب الذي جعل الولايات المتّحدة تحجم عن قصف أرتال داعش في طريقها إلى تدمر عندما شكّلت هدفاً سهلاً لطيرانها في الصحراء في أيّار ٢٠١٥. سمح هذا السهو أو التغاضي الأمريكي للمخبولين بدخول المدينة وتدمير بعض أثمن كنوزها، ومع ذلك عاد الكاتبُ (صفحة ١١٧) إلى القول أنّ أولويّة الولايات المتّحدة هي الحرب ضدّ داعش!  

استشهدَ van Dam بالسيّد Tobias Schneider، الذي أسهب (صفحة ١١١) في وصف فساد النظام وتعفّنه و"حربه الشرسة ضدّ مواطنيه" إلى آخر الأسطوانة المشروخة التي ثقبوا طبلة آذاننا بها. نعم لحكومة الأسد عيوبٌ كثيرة لا تقتصر على السلطويّة والاستبداد، ونعم كان الفساد متفشيّاً بها، ونعم قَصَّرَت في مجالاتٍ كثيرة (قبل الحرب)، منها حماية البيئة، وتنظيم الأسرة، والتعليم، والبنية التحتيّة، والحفاظ على الآثار، وفصل الدين عن الدولة، وهلمّجرا. لا بدّ مع ذلك من الإقرار بأنّ المعارضة التي شاهدناها شاركت الدولة في جميع مساوئها عمليّاً وأضافت إليها المزيد من العيوب، أهمُّها الطائفيّة المعلنة بأبشع صورها (لا يوجد مقابل في الحكومة السوريّة لشخصيّات مثل عدنان العرعور ومأمون الحمصي)، والاستعداد المطلق للتعاون مع أي قوّة خارجيّة وعند اللزوم أعداء سوريا التاريخييّن بهدف "إسقاط النظام". أمّا أنّ النظام حارَبَ وقَتَلَ شَعْبَهُ فهذا كلام "من فوق الأساطيح" كما يقول الشوام . الجيش السوري في عهد الأسدين حَارَبَ من حاربهُ ومن نافل القول أنّه قَتَل الكثيرين من الأبرياء، كما يحدث في الحروب عادةً، تماماً كما فعلت المعارضة. معارضوّ الأسد في سوريّا كثيرون، بيد أنّ الكثيرين أيّدوه، وليس فقط العلوييّن و"الأقلّيات". 

للحديث بقيّة. 

No comments:

Post a Comment