بلغ تعداد حمّامات دمشق ٥٢ في القرن الثاني عشر للميلاد حسب رواية الحافظ ابن عساكر، و ٦٠ عندما أجرى الفرنسي Michel Écochard (١٩٠٥ - ١٩٨٥) وزميلهُ في هندسة العمارة Claude Le Cœur (١٩٠٦ - ١٩٩٩) دراستهما عن هذه الحمّامات، التي نشرها المعهد الفرنسي في دمشق بالتعاون مع المطبعة الكاثوليكيّة في بيروت على جزأين الأوّل عام ١٩٤٢ والثاني عام ١٩٤٣. هذه الدراسة الفرنسيّة على حدّ علمي أفضل وأكمل الموجود حتّى وقتها ولربّما إلى اليوم.
يتوزّع الجزء الأوّل على ٦٠ صفحة من القطع الكبير (٣٤ في ٢٥ من عشيرات المتر)، وسّتة فصول تَصِفُ الحمّام، وكيفيّة تزويده بالماء، وتشغيله، وأكلافه ومردوده، والحياة الاجتماعيّة فيه، ومستقبله كما بدا وقتها. يحتوي الكتاب على قائمتين بالحمّامات نجد فيهما أسمائها، وإيجارها وكلفة دخولها، وساعات عملها، وما إذا كانت مخصّصة للنساء أو الرجال أو كليهما، وأماكن تواجدها، وما إذا كانت لا تزال ناشطةً، وحالتها (جيّدة أو متداعية إلخ)، ويختم بخريطة كبيرة مطويّة (٦٨ في ٤٧ من عشيرات المتر) نعاين فيها مواقع هذه الحمّامات.
الجزء الثاني موزّعٌ على ١٣٢ صفحة، تصفُ ٣٨ حمّاماً بالتفصيل في ثمانية فصول تصنّف الحمّامات حسب تسلسلها الزمني، مع فصل إضافي حاول الربط بين حمّامات العصور الوسطى (أي العهد الإسلامي)، وبين ما سبقها من المباني المشابهة في العهود البيزنطيّة والرومانيّة.
يحتوي الكتاب على العديد من المخطّطات والإسقاطات ذات النوعيّة العالية ولكنّه يفتقر مع الأسف إلى الصور الضوئيّة.
____________
أُجْرِيَت هذه الدراسة في زمن شهد دخول الحمّامات الإفرنجيّة إلى بيوت الطبقات الغنيّة والمتوسّطة في المدن، ممّا هدّد مستقبل "حمّام السوق" الذي أصبح مُعْتَمِداً على الزوّار وذوي الدخل المحدود، ومنه تناقص مردود الحمّام وبالنتيجة عدد الحمّامات، أو على الأقلّ الناشطة منها والذي لم يتجاوز ٤١ من أصل ٦٠ درسها المستشرقان. كانت الغالبيّة العظمى من هذه الحمّامات أوقافاً تعيّن على الحمّامي أن يدفع لقاء استثمارِها أجراً سنويّاً، أضِف إليهِ أجور الصنعيّة (منهم من كان من أفراد العائلة)، وثمن المواد الأوّلية (الوقود مثلاً من الزبل والتبن وما شابه)، والضرائب. أجرة الدخول (كما نرى في الجدول الملحق) بين القرشين والعشرة قروش في الوقت الذي بلغت كلفة اكتراء بعض الحمّامات مئات الليرات ولم تكن ضرائبُها رمزيّةً. الخلاصة لم يكن الحمّامي وصنعيّته بالأغنياء، ويمكن التماس العذر لمن اعتقد وقتها أنّ المهنةَ في سبيلِها للانقراض، خاصّة وأنّ عناية البلديّة بتمديدات فنوات فروع بردى تضاءلت بعد جرّ مياه الفيجة، وبالتالي تعيّن إضافة نفقات صيانة هذه التمديدات إلى أكلاف الحمّامي.
____________
نأتي الآن إلى وصف الحمّام، وهنا تحسن الإشارة أنّ المظهر الخارجي كان متواضعاً حتّى العهد المملوكي، أمّا عن التنظيم الداخلي فله عناصر ثابتة عبر مئات السنين (وإن تغايرت نسبُها وتفاصيلُها) يمكن معاينتها على المخطّط الملحق لحمّام البزوريّة أو حمّام نور الدين وهي باختصار الآتية:
أوّلاً. المشلح A وفيه مصاطب للزبائن حيث يمكن تناول القهوة والأركيلة، وسرير يجلس عليه المعلّم الذي يلمّ "الغلّة".
ثانياً. المراحيض E فيها مياه جارية تخفّف من وطأة نقص التهوية.
ثالثاً. الصالة الباردة B أو "الوسطاني برّاني" ويمكن استعمالها كمشلح للمسنّين والمرضى، خاصّة في فصل الشتاء.
رابعاً. الصالة الفاترة C أو "الوسطاني جوّاني" وفيها مقصورات ملحقة يمكن استعمالها لإزالة الشعر.
خامساً. الصالة الحارّة D أو الجوّاني وفيها أيضاً مقصورات ملحقة، ويأتيها البخار مباشرةً من خلال فجوة في الجدار، وشَمَلَت قديماً مقصورةً لمغطس عمقه مترين ألغي بعد أن أصيب عدّة أشخاص بالاحتقان بعد نزولهم فيه.
سادساً. قسم التدفئة F والخدمات الإضافيّة.
بالنسبة لطاقم العمل هناك المعلّم (أو زوجه في ساعات النساء)، والمكيّس أو المدلّك وتابعيه أو مساعديه، والوقّاد (القمّيمي)، والزبّال (الذي يجلب المحروقات).
ساعاتُ الصباح عموماً للرجال، وبعد الظهر للنساء والأطفال (بما فيهم الذكور دون السابعة)، وهناك حمّامات للرجال حصراً، وثانية تعتمد على الزبائن المسيحييّن (البكري)، وثالثة اليهود والمسيحييّن (المسك). تميل النساء بشكل عامّ لقضاء ساعات أكثر في الحمّام وعلّ هذا عائدٌ إلى ندرة أماكن التسلية المُتاحة للجنس اللطيف خارج المنزل كالمقاهي.
للحديث بقيّة.
Michel Écochard et Claude Le Cœur. Les bains de Damas: monographies architecturales. Institut Français de Damas 1942-1943. Imprimerie Catholique, Beyrouth.

No comments:
Post a Comment