Monday, June 12, 2017

دمشق ١٧٠٨- ١٧٥٨



المؤلّف كارل بربير، خرّيج مدرسة الجالية الأمريكيّة في بيروت عام ١٩٦٦، حائز على إجازة وماجستير في تاريخ أوروپّا والشرق الأدنى من الجامعة الأميركيّة في بيروت (١٩٦٦ - ١٩٧١)، ودكتوراه في دراسات الشرق الأدنى من جامعة Princeton (١٩٧١ - ١٩٧٧). درّس بربير التاريخ في Siena College (١٩٧٧ - ٢٠١٥)، وحاضَرَ في جامعة Albany (١٩٩٢ - ٢٠١٥).
_______________________________

ينظرُ الكثيرُ من المؤرّخين، في الشرق والغرب، إلى العهد العثماني بعد موت سليمان القانوني عام ١٥٦٦ كفترة انحطاط، تدهورت فيها الإمبراطوريّة باستمرار من سيِّئ إلى أسوأ، إلى أن سقطت مع نهاية الحرب العالمية الأولى. من العدل أن يُقال أنّ هذا التقييم مجحفٌ ومبسّطٌ أكثر ممّا ينبغي، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ وفاة "الرجل المريض" - تعبيرٌ استُعْمِلَ للمرّةِ الأولى في القرن التاسع عشر - استغرقت ٣٥٠ سنة بعد وفاة السلطان المذكور، ومن حقِّنا بالتالي التشكيك في كون "الرَجُل" مريضاً إلى هذه الدرجة. أضِف إلى ذلك أنّ الإمبراطوريّة العثمانيّة لم تكن الوحيدة التي سقطت عام ١٩١٨، الذي شَهِد أيضاً انهيار ثلاثٍ من الإمبراطوريّات المرهوبة الجانب: أعداء العثمانييّن التاريخييّن في روسيا والنمسا، وحليفتها في الحرب العظمى ألمانيا. لِمَ لا نحاول تحليل أسباب ديمومة الإمبراطوريّة العثمانيّة عوضاً عن أسباب سقوطِها؟ تماماً كما في حالة الإمبراطوريّة الرومانيّة التي سَبَقْتها.

لا ريبَ أنّ القرن السادس عشر شَهِدَ أوجَ الإمبراطوريّة العثمانيّة، عندما كانت ليس فقط أقوى الإمبراطوريّات الإسلامية الثلاث (الأخريتان الصفويّة في إيران والمغوليّة أو التيموريّة في الهند)، وإنّما أيضاً أشدّ ممالك أوروپّا بأساً، خاصّة بعد احتلالها المجر في أعقاب معركة Mohács عام ١٥٢٦، ومن ثمّ حصار Vienna الأوّل عام ١٥٢٩. تزايدت التحدّيات لسلطة القسطنطينيّة في القرن السابع عشر، بيد أنّها استمرّت في حكمِ أراضٍ شاسعة في أوروپّا وشمال أفريقيا وجنوب غرب آسيا، واستطاع العثمانيّون حصار Vienna للمرّة الثاتية عام ١٦٨٣، وإن تكلّلت جهودُهم بالفشل إثر سلسلةٍ من الهزائم كرّستها معاهدة Karlowitz عام ١٦٩٩ التي خسر بموجِبِها العثمانيّون المجر إلى غير رجعة.

________________________________

ركّز الأستاذ Karl Barbir، في هذا الكتاب الصادر عن Princeton University Press عام ١٩٨٠، على دمشق العثمانيّة في القرن الثامن عشر، معتبراً - عكس أغلب الأخصائييّن - أنّ هذا القرن أو على الأقلّ نصفهُ الأوّل، لم يكن بهذه الدرجة من السوء: على الصعيد الدولي هَزَمَ العثمانيّون بطرس الأكبر الروسي وجمهورية البندقيّة، ونجحوا في استعادة بلغراد؛ بخصوص دمشق - موضوع الكتاب - أجروا مجموعةً من الإصلاحات لتقوية السلطة المركزيّة، واحتواء الجماعات المحليّة (الأعيان والإنكشاريّة والبدو)، وتنظيم قافلة الحجّ لتعزيز مكانة السلطان "كخادم للحرمين".

أسهمت دمشق في حروب الإمبراطوريّة اللامتناهية ضمن أضيق الحدود، وعلى سبيل المثال أرسلت المدينة ٥٠٠ رَجُل للمساهمة في الحملة الأوروپيّة وحصار Vienna عام ١٦٨٣، بينما بلغ تعداد الجيش العثماني ككلّ ٣٥٠٬٠٠٠ جندي. ترتّب على ذلك قرار السلطة المركزيّة في مطلع القرن الثامن بإعفاء والي الشام من مساهمةٍ متواضعة لا تقدّم في المجهود الحربي ولا تؤخِّر، وتحميلِهِ عوضاً عن ذلك مسؤوليّة الإشراف على قوافل الحجّ وتزويدِها بحوائجِها، وجباية الضرائب اللازمة، وحمايتِها (خصوصاً من غارات البدو). نَجَحَ الولاةُ عموماً في أداء هذا التكليف البالغ الأهميّة من الناحية المعنويّة اعتباراً من عام ١٧٠٨، عندما تولّى نصوح باشا مقاليد الأمور، وحتّى ١٧٥٧ عندما هلك الألوف من الحجّاج من الحرّ والعطش وهجمات البدو. شّك الباب العالي بضلوع أسعد باشا العظم في هذه الكارثة التي كلّفَتهُ بالنتيجةِ رأسَهُ.

هيمن آل العظم على ولاية دمشق لفتراتٍ مديدةٍ نسبيّاً في مطلع ومنتصف القرن الثامن عشر، مما دَفَعَ الكثيرَ من المؤرّخين إلى ربط صعود نجم هذه الأسرة مع تدهور السلطة المركزيّة. أدلى الدكتور بربير بوجهةِ نظرٍ مخالفة، مفادُها التزام ولاة العظم بتنفيذِ سياساتٍ رُسِمَت خارج دمشق، في الأستانة، وإن عزّزوا نفوذَهم وجمعوا الثروات في نفس الوقت. لم تكن الشام - خلافاً لمصر - في وارد محاولة الاستقلال عن القسطنطينيّة، لا إسماً ولا فعلاً، اللهمّ إلّا لفتراتٍ قصيرة وتحت ظروفٍ معينة.

______________________________

فَقّدَت العاصمة مع نهايات القرن الثامن عشر زمام المبادرة تحت الضغوط الخارجيّة (الحروب مع روسيا القيصريّة ومن ثمّ حملة بوناپارت)، والداخليّة (تمرّد المغامرين من أمثال ظاهر العمر)، واضطرّت إلى إعطاء المزيد من حريّة التصرف للولاة وعلى رأسِهِم الجزّار باشا. قصّةُ القرن التاسع عشر وعهد التنظيمات ودمشق قبل وبعد ١٨٦٠ خارجةٌ عن نطاق هذه الدراسة.

No comments:

Post a Comment