Friday, March 22, 2024

الحجج المؤيّدة والحجج المعارضة لاقتسام كنيسة دمشق الملكيّة بين المسيحييّن والمسلمين


 

كما طرحها Dussaud عام ١٩٢٢ (التعليقات في الحواشي): 


من المدهش أنّ القسم الشرقي من الكنيسة الملكيّة - حيث تواجد المذبح - أُعطي للمسلمين بينما احتفظ المسيحيّون بالقسم الغربي عندما جرت القسمة (١). يقول معارضوّ هذه الرواية أنّها اختُلِقت في سبيل تفسير اقتسام المدينة بين المسيحييّن والمسلمين ولكن إذا كان الحال كذلك فعلامَ سَكَن المسيحيّون شرق المدينة منذ ذلك الوقت إلى الآن؟ (٢). تناقضات روايات استسلام دمشق للفاتحين مردُّها استناد بعض المؤلّفين على حَدَثين حقيقييّن لا شكّ فيهما ولكنّهما ليسا مترابطين: الأوّل أنّ المسحييّن شغلوا القسم الشرقي من المدينة والثاني أنّ كنيسة القدّيس يوحنّا المعمدان استُخْدِمت لفترةٍ ما معبداً للطائفتين. 


استعمل الأمير Caëtani مراراً وتكراراً حجّة صمت المصادر التاريخيّة وبناءً عليها يعتبر شهادة الأسقف Arculf الذي زار دمشق بعد ثلاثين عاماً من احتلال العرب لها حاسمةً في هذا الصدد. كتب Arculf عن المدينة:


" التي تربّع عليها ملك السراسنة بعد أن حصل على إمارته، وبُنيت فيها كنيسةٌ عظيمةٌ تكريماً للقدّيس يوحنّا المعمدان. بُنيَت في نفس المدينة كنيسة معيّنة للسراسنة الكفّار". 


ما الذي أثبته هذا النص؟! (٣) بكل بساطة أنّ Arculf لم يدخل الجامع ولم يكن بإمكانه التحقّق على أرض الواقع. ليس في هذا ما هو مثير للدهشة بتاتاً نظراً لصعوبة دخول الكنيسة عبر الصحن والمجاز المعترض (٤). من المحتمل أنّ المسيحييّن اضطرّوا بعد فترةٍ شديدة القصر إلى فتح باب في القسم الغربي من الجدار الجنوبي مع رفع أعمدة أمامه. الكلام هنا عمّا يدعوه المؤلّفون المسلمون باب الزيادة (٥) وإذا سلّمنا أنّ Arculf دخل منه فما كان بإمكانه أن يدرك أنّ الكنيسة والمسجد انتميا إلى نفس البناء كون الدخول إلى هذا الأخير كان عن طريق الصحن والمجاز المعترض القديم. 


صحيح أنّ البلاذري الذي كتب في القرن التاسع للميلاد لم يحدّد بوضوح أنّ المسجد شغل نصف الكنيسة الملكيّة القديمة بيد أنّ هذا الأمر كان معروفاً لكلّ الناس آنذاك وذكره بالتالي من نافل القول. بالمقابل فصّل ابن عساكر (القرن الثاني عشر) وأسهب في الوصف لقرّاءه الأقلّ إلفةً بتاريخ الجامع. هناك أيضاً شهادة المسعودي (القرن العاشر) وهي، على شديد اقتضابها، بالغة الوضوح. ذكر هذا المؤرّخ، انطلاقاً من هيكل المشتري، أنّ النصارى حوّلوه إلى كنيسة وأنّ هذه الكنيسة أصبحت مسجداً بعد الفتح الإسلامي وأنّ الوليد بن عبد الملك بنى المسجد الجامع. إذاً المسجد كان موجوداً منذ دخول الإسلام إلى دمشق ولم يطرأ عليه تعديل هامٌّ حتّى عهد الوليد. 


نرى والحال كذلك أنّ إقامة المسلمين الصلاة في النصف الشرقي من الكنيسة الملكيّة حتّى عهد الوليد حقبقةٌ تاريخيّة.   


انتهى كلام Dussaud. تعرّضت سابقاً لمطارحة Creswell ومفادها أنّ الاقتسام حصل فعلاً ولكن ليس للكنيسة كما كتب العالم الفرنسي، وإنّما لهيكل المشتري ذاته.  

   






(١) يفترض Dussaud وجود المذبح في القسم الشرقي دون دليل مادّي طبعاً.  

(٢) أجاب الأب اليسوعي Lammens تساؤل Dussaud بمنتهى السهولة: كانت الأغلبيّة الساحقة من أهل دمشق مسيحيّة لدى الفتح الإسلامي واستمرّت كذلك حتّى العهد الأموي على الأقلّ. يترتّب على ذلك أنّ المسيحييّن سكنوا في كافّة أنحاء المدينة آنذاك ولا لزوم لافتراض أنّهم أخلوها باستثناء القسم الشرقي (باب توما) في القرن السابع الميلادي. 

(٣)  علّق Lammens في الصفحة ٨٧ من الجزء الأوّل لكتابه سوريّا كما يلي: "يترتّب على شهادة Arculf أنّ السراسنة اقتصروا على مسجد واحد متواضع في دمشق بُنِيَ خصّيصاً لهم ولم يكن هناك اقتسام للكنيسة الملكيّة. يرى Dussaud أنّ Lammens حمّل نصّ Arculf أكثر ممّا يتحمّل. 

(٤) أرجع Dussaud هذه الصعوبة لوجود هذا المدخل في الجدار الذي استند عليه - في رأيه - المذبح. 

(٥) بعبارة ثانية يرى Dussaud أنّ باب الزيادة أقدم من الجامع الأموي. لم أقرأ هذا الكلام إلى اليوم في أي مصدر آخر.










No comments:

Post a Comment