Tuesday, March 26, 2024

أهميّة الحرم الدمشقي

 


أختم اليوم سلسلةً من المنشورات القصيرة بدأتُها قبل شهرين ونيّف عن معبد دمشق انطلاقاً من العهد الآرامي ونهايةً بجامع بني أميّة الكبير نقلاً عن Dussaud (تخلّلتها بضعة مقالات اختزلتها عن Kremer). ذيّل Dussaud بحثه المرجعي بالعبارات الآتية:


أدّت الأبحاث الدؤوبة التي أجراها خبراء الآثار وأخصّائيّو العمارة خلال السبعين سنة الماضية (١) إلى رسم الخطوط العريضة لتاريخ هيكل دمشق الرئيس منذ العهد الروماني الإمبراطوري رغم التساؤلات التي لا نملك جواباً شافياً عليها حتّى اليوم. قليلةٌ هي الأوابد التي نستطيع متابعة تطوّرها عبر الزمن بهذه الدرجة من الدقّة ودمشق، من هذا المنظور، تحرز قصب السبق على تدمر وبعلبك.  


تتجلّى الأهميّة الاستثنائيّة للحرم الدمشقي باحتفاظه، تحت كساءٍ من الزخارف الرومانيّة وغير الرومانيّة، بتصميمٍ سوريٍّ بحت أملته ضروررات وتقاليد العبادة الموروثة التي حُوفِظَ عليها في العصر المسيحي ومنها حقّ اللجوء الذي تردّد صداه حتّى في العهد الإسلامي كما نستشفّ من لفظ "جيرون" والأساطير المتداولة. أحد النتائج التي توصّلنا إليها خلال دراستنا هذه - وليست بأقلّها إثارةً للفضول - المدى الذي اعتمدت عليه الروايات العربيّة، حتّى الأسطوريّة منها، على الذكريات التي تركها العهد البيزنطي والعهود التي سبقته. هذه النتيجة مخالفة للرأي الذي تبنّاه عددٌ من المستعربين الممتازين. 


لو لم تمتلك المدينة العريقة على ضفاف بردى إلّا هذه الآثار المهيبة لاستحقّت عن جدارة لقب "العظيمة والمقدّسة" التي أطلقتها عليها الوثائق المنسوبة زوراً للبابا يوليوس الأوّل وسوّغت الإعجاب الذي أحاطها به الفاتحون العرب المبهورين ببذخها العمراني إلى درجة أنّهم اعتقدوا أنّهم دخلوا إرم ذات العماد. مع ذلك تبقى المعالم التي لا تزال مرئيّةً من الحرم العتيق مجرّد شاهد على بهاء دمشق القديمة التي لا تنتظر أرضُها إلّا من يكشف الكنوز المختيئة تحتها ويثبت بالبرهان القاطع أنّها ليست على هذه الدرجة من الفقر كما يدّعي البعض.    




(١) كتب Dussaud عام ١٩٢٢.




تعود صورة de Prangey الملحقة بطريقة daguerréotype إلى العام ١٨٤٣ عندما التقطت أوّل الصور الضوئيّة المعروفة لمدينة دمشق وجامعها. 







René DussaudLe temple de Jupiter Damascénien et ses transformations aux époques chrétienne et musulmane. Syria 1922 (p. 219-250). 


Photo (1843) Joseph-Philibert Girault de Prangey


No comments:

Post a Comment