Saturday, May 1, 2021

مراسيم الشام المملوكيّة


للنقوش الكتابيّة الأثريّة أهميّة خاصّة من الناحية التاريخيّة ولكن مواضيع الكتابات العربيّة تركّز في معظم الحالات على النصوص الدينيّة والصلوات على أرواح الموتى أوّلاً وتمجيد الحكّام والإسهاب في ذكر صفاتهم ومناقبهم ثانياً. لدينا نوع ثالث من الكتابات وهي تتعلّق بالمراسيم الحكوميّة التي كانت تنقش على الأوابد كي تكون في متناول كل من يستطيع القراءة - وإن قلّ عددهم في الماضي - وهذه النقوش تعطينا معلومات لا تقدّر بثمن عن النواحي الإداريّة والماليّة والقانونيّة والمتعلّقة بالتاريخ المحلّي والامور المعيشيّة لعامّة أهل المدن. 


كتب المستشرق الفرنسي Jean Sauvaget مقالاً مرجعيّاً عن المراسيم المملوكيّة في سوريّا في العدد الثاني من محلّة الدراسات الشرقيّة الصادر عام ١٩٣٢ أخذت عنه كمثال كتابة المدرسة العمريّة على واجهة رواقها المعمّد على نهر يزيد. تتوزّع هذه االكتابة على المداميك وبالتدقيق في الصورة الملحقة نراها في الشريط فوق عقود الرواق وبين هذه العقود وأيضاً فوق تيجان الأعمدة. يبلغ الطول الإجمالي للكتابة أحد عشر متراً وثلاثين عشير المتر ويتراوح ارتفاعها بين ٢٣ إلى ٣٠ عشير المتر وهي متوسّطة الأحرف بالخطّ المملوكي النسخي المنفّذ بعناية فائقة. النصّ هو الآتي كما حقّقه Sauvaget:


بسم الله الرحمن الرحيم. بتأريخ شهر جمادى الأوّل سنة إحدى وعشرين وثمان مائة (*) حكم مولانا وسيّدنا قاضي القضاة نجم الدين أبو حفص عمر بن حجّي الشافعي الناظر في الأحكام الشرعيّة الشاميّة أعزّ الله أحكامه وأدام أيّامه بإبطال ما أحدث من الوظائف والمعاليم على أوقاف مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر تغمّده الله برحمته بعد وفاة المرحوم قاضي القضاة شمس الدين ابن التقي الحنفي وهي مشارفة الديوان ومشارفة الترتيب وكتابة الغيبة على المشائخ والقرّاء والمصدّرين ونقابة الفقراء وعمالة وقف القرماني وجباية وقف كفر بطنا والزيادة المحدثة في معلوم الأمانة والمحدث في تصدير علم الدين بن نوح والتصدير المحدث باسم فخر الدين عثمان الحجيتي وأبقا ما تجدّد بإشارته الكريمة في أيّام مباشرة خادم الفقراء عبد الرحمن ابن داود من زيادة الحلوى في نصف شعبان وزيادة اللحم في شهر رمضان وزيادة الأضحية من الأغنام والأبقار السمان وتأبيد هذه الحسنة واستمرار جراية الخير في جميع السنة وزيادة البسط والتنوير وذلك كلّه بعد عمارة المدرسة المذكورة وتتمّة أوقافها المبرورة وأنفذ الحكم المذكور مولانا قاضي القضاة شهاب الدين بن الحبّال الحنبلي الحاكم بالشام المحروس وأدنا في نقش المدرسة المذكورة ثمّ وقف قاضي القضاة نجم الدين المشار إليه وقفاً على ختان من لم يكن مختوناً بالمدرسة وعلى بيت وقضامة تقرّب بها لمن يحضر قراءة السبع في ليالي الجمع تقبّل الله عمله وبلّغه من الثواب أمله فمن بدّله بعد ما سمعه فأنّما اثمه على الذين يبدّلونه إنّ الله سميع عليم فمن غيّر ذلك أو سعى في تقض شيء منه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وذلك في شهر جمادى الآخر سنة خمس وعشرين وثمان مائة (**) وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم


(*) حزيران ١٤١٨.

(**) أيّار - حزيران ١٤٢٢.





الهدف من المرسوم - ودون الدخول في التفاصيل - واضح وهو منع القيّمين على الوقف من تبديد عوائده وتبذير أمواله بهدف تنفيع أنفسهم ومحاسيبهم. صدر القرار عن كبير قضاة دمشق الشافعيّ المذهب (نجم الدين) وعلى اعتبار أنّ العمريّة - أكبر مدارس دمشق - مدرسة حنبليّة كان لا بدّ - كي يدخل القرار حيّز التنفيذ - من مصادقة كبير قضاة الحنابلة (شهاب الدين). أخيراً يتعيّن الانتباه إلى انصرام أربع سنوات بين صدور القرار وإنجاز النقش الكتابي.


الصورة الحديثة عن العلبي وخارطة موقع العمريّة عن معاذ. أرفق أدناه بعض الروابط عن هذه المدرسة مع مراجعها. 






 


أكرم حسن العلبي. خطط دمشق. دار الطبّاع ١٩٨٩











Abd al-Razzaq Moaz. Les madrasas de Damas et d’al-Ṣaliḥiya depuis la fin du V/XIe siècle jusqu’au milieu du V/XIIIe siècle. Université de Provence 1990. 

No comments:

Post a Comment