Friday, May 21, 2021

أقدم وصف للجامع الأموي وقصّة اقتسام الكنيسة‎

 


ملخّص ما سبق:


مصادر تاريخ الجامع الأموي العربيّة هي التالية من الأحدث إلى الأقدم:


أوّلاً: كتابات المؤرّخين وعلى رأسهم ابن عساكر. 

ثانيّاً: النقش الكتابي التأسيسي المندثر. ذكره ابن عساكر (القرن الثاني عشر للميلاد) والاختلاف بينه وبين نصّ المسعودي (القرن العاشر) طفيف. 

ثالثاً: الشعر العربي كما رأينا في قصيدة الفرزدق. 


يرى Lammens أنّ الفرزدق استلهم شعره (إن لم نقل انتحله) من شاعر آخر أقلّ شهرة ويستند في ذلك إلى شهادة ابن عساكر أنّ الفرزدق زار الشام للمرّة الأولى في عهد سليمان وليس الوليد الذي بنى الجامع أمّا عن الشعر الأصلي فهو للنابغة الشيباني (وفيّات ٧٤٣ للمبلاد) الذي تردّد على بلاط عبد الملك (وبالتالي فهو - على عكس الفرزدق - شاهد عيان لهدم الكنيسة وبناء الجامع) وقصيدته في مدح الوليد (الرابط الملحق) التي بدأها بالقول:


إنّ الوليد أمير المؤمنين له                        حقّ من الله تفضيل وتشريف


خلط ابن عساكر الحابل بالنابل لدى استشهاده بقصيدة الفرزدق الذي ادّعى أنّه مثل في حضرة الوليد أمّا عن النابغة فتشير الأدلّة أنّ الحافظ لم يكن مطّلعاً على شعره وإلّا ما تردّد في ذكره لما له من أهميّة قصوى كأقدم وصف للجامع على أقلّ تقدير. نبدأ بأبيات النابغة التي أخذ عنها (أو سرق منها) الفرزدق والمتعلّقة ببناء الجامع وهدم الكنيسة:


قلعت بيعتهم عن جوف مسجدنا               فصخرها عن جديد الأرض منسوف

كانت إذا قام أهل الدين فابتهلوا                باتت تجاوبنا فيها الأساقيف

أصوات عجم إذا قاموا بقربتهم                   كما تصوّت في الصبح الخطاطيف 

فاليوم فيه صلاة الحقّ ظاهرةً                   وصادق من كتاب الله معروف            


الشرح: 


البيت الأوّل: لقد اقتلعت (أيّها الوليد) كنيستهم من مسجدنا من بطن الأرض (أي من أساسها). 

البيت الثاني: كانت أصوات الأساقفة تتردّد كلّما صلّى المؤمنين (إلى أن هدم الوليد الكنيسة). 

البيت الثالث: كان هؤلاء الأعجام - قبل أن يبني الوليد الجامع على حساب الكنيسة - يرفعون عقيرتهم بالصياح مثلهم في ذلك مثل السنونو في الصباح (يقصد بكلمة "العجم" من تكلّموا بغير العربيّة وأقرب مصطلح يقابلها في اللغات الأوروبيّة تعبير "البرابرة" الذي استعمله الرومان للدلالة على من تكلّم لساناً غير لاتيني وبالتالي فليس هذان المصطلحان - عجم وبربر - بالضرورة أو حتّى بالمعنى الأصلي مترادفين مع الهمجيّة). 

البيت الرابع سهل التفسير. 


هناك شبه لا لبس فيه في فحوى شعر الفرزدق مقارنة مع النابغة وإن اختلفت الكلمات والأسلوب وفي كليهما إشارة واضحة هي الأقدم على الإطلاق في المصادر العربيّة لبناء جامع بني أميّة على حساب كنيسة يوحنّا. 


أضف إلى ما سبق الوصف الأوّل من نوعه الذي نعرفه للجامع الأموي في شعر النابغة الشيباني ومنه:


وقبّة لا تكاد الطير تبلغها                        أعلى محاريبها بالساج مسقوف

لها مصابيح فيها الزيت من ذهبٍ            يضيء من نورها لبنان والسيف



وعن الفسيفساء:


يكاد يعشي بصير العين زبرجه              حتّى كأنّ سواد العين مطروف



أكتفي بهذا القدر عن تاريخ بناء الجامع بما فيه ما ذكر عن مسجد الصحابة المفترض ويمكن للمهتمّين الرجوع إلى المقال الكامل بالفرنسيّة (٣٥ صفحة) للعالم الراحل في الرابط المتعلّق.


الصورة عن Herzfeld وتعود للعقد الأوّل أو الثاني من القرن العشرين. 







ابن عساكر. تاريخ دمشق


قصيدة النابغة الشيباني


معبد دمشق من كنيسة يوحنّا المعمدان إلى جامع بني أميّة الكبير


مسجد الصحابة: حقيقة أم أسطورة؟ 


يحيى بن زكريّا


تقسيم كاتدرائيّة القدّيس يوحنّا في الكتابات التاريخيّة 


جامع بني أميّة الكبير: الكتابة التأسيسيّة المفقودة


جامع الوليد في شعر الفرزدق







Finbarr Barry FloodThe Great Mosque of Damascus: Studies on the Makings of an Ummayyad Visual Culture


Ernst Herzfeld. Great Mosque, Southern façade of the Courtyard



Gérard Degeorge. Damas, répertoire iconographique. L'Harmattan 2001






No comments:

Post a Comment