تعرّضنا أمس باختصار إلى مصدر تاريخ الجامع الأموي الأكثر استعمالاً وهو كتابات المؤرّخين مع التحفّظ أنّها أتت بعد الأحداث قيد الدراسة بمئات السنين وأنّها تنقل عن روايات شفهيّة تعتمد منهج الإسناد من الأحدث إلى الأقدم فالأقدم حتّى نصل إلى الأصل.
المصدر الثاني - ولاأكثر مصداقيّة بكثير - هو النقوش الكتابيّة التأسيسيّة ومع الأسف لا نملك هذه النقوش في حالة الأموي وأقرب ما بحوزتنا إليها هو الآتي:
ما نقله ابن عساكر (١١٠٥-١١٧٥ للميلاد) عن طريق الإسناد المتسلسل حتّى نصل إلى شاهد عيان: وقرأت في صفائح في قبلة مسجد دمشق صفائح مذهّبة بلازورد....لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلّا إيّاه ربّنا الله وحده وديننا الإسلام ونبيّنا محمّد. أمر ببنيان هذا المسجد وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبد الله الوليد أمير المؤمنين في ذي القعدة من سنة ستّ وثمانين (*).
(*) الموافق تشرين ثاني عام ٧٠٥ للميلاد.
لدينا نصّ أقدم بمئتيّ عام من ابن عساكر في كتابات المسعودي (٨٩٦-٩٥٦ للميلاد) صاحب مروج الذهب وبالتالي لربّما كان أجدر بالثقة ولكنّه لا يختلف كثيراً عن الحافظ الدمشقي لا إخراجاً (كتابة بالذهب على اللازورد) ولا كلماتاً: ربّنا الله لا نعبد إلّا الله أمر ببناء هذا المسجد وهدم الكنيسة التي كانت فيه عبد الله أمير المؤمنين في ذي الحجّة سنة سبع وثمانين (**) .
(**) تشرين ثاني - كانون أوّل ٧٠٦ للميلاد.
لم يذكر ابن عساكر المسعودي في إسناده ممّا يدلّ أنّه توصّل للنصّ من مصادر ثانية ومع ذلك النصّان شبه متطابقين ولا يوجد بالتالي مبرّر للتشككيك في وجود النصّ وإن حقّ لنا أن نتسائل عن السبب (أو حسن الطالع) الذي دفع العبّاسييّن إلى توفيره (إلى أن شاهده المسعودي) عوضاً عن إتلافه أو على الأقلّ تزويره كما فعل المأمون في كتابة عبد الملك في قبّة الصخرة في القدس. في كلّ الأحوال محيت آثار الكتابات القديمة إلى الأبد مع حريق الأموي المدمّر عام ١٠٦٩. هذا بفرض أنّها عاشت حتّى ذلك التاريخ.
عودة على بدء: نظرنا حتّى اليوم في مصدرين عن تاريخ الجامع الأموي ومسجد الصحابة المزعوم:
الأوّل كتابات المؤرّخين وهي الأحدث.
الثاني: النقش التأسيسي المنقرض الذي أشارت إليه بعض هذه الكتابات.
غداً نتعرّض (وباستعمال النصوص العربيّة حصراً) إلى مصدر ثالث معاصر للأحداث وبالتالي أقدم بكثير من هذين المصدرين.
تعود الصورة أعلاه عن Herzfeld إلى العقد الأوّل أو الثاني من القرن العشرين وهي لكتابة في الرواق الشمالي للجامع عجز المستشرق الشهير عن تحديد هويّتها. من نافل القول أنّه لا علاقة بين هذه الكتابة وبين الكتابة التأسيسيّة المذكورة أعلاه.
معبد دمشق من كنيسة يوحنّا المعمدان إلى جامع بني أميّة الكبير
مسجد الصحابة: حقيقة أم أسطورة؟
تقسيم كاتدرائيّة القدّيس يوحنّا في الكتابات التاريخيّة
No comments:
Post a Comment