Friday, May 28, 2021

لالا مصطفى باشا فاتح قبرص وخلفيّة معركة ليپانتو‎

 


فلنبدأ بنبذة تاريخيّة عن لالا مصطفى باشا قبل التعرّف على الجامع المسمّى باسمه في دمشق.


تولّى لالا باشا دمشق بين ١٥٦٣-١٥٦٩وشغل منصب الصدر الأعظم في الإمبراطوريّة العثمانيّة عام ١٥٨٠ ومات في هذا العام. ينسب إليه آل مردم بك الذين كانوا من أغنى أغنياء دمشق في القرن التاسع عشر بفضل الوقف الذي تركه (يمكن الرجوع لدراسة الدكتور weber للمزيد من التفاصيل). 


ماذا عنه في المصادر الغربيّة؟ 


يعتبر فتح قبرص أهمّ مآثر هذا الوالي. ألخّص في الأسطر التالية روايتها المصوّرة بريشة الفنّان Funcken في العدد التاسع من السنة العشرين للنسخة البلجيكيّة لمجلّة tintin تان تان (الثاني من آذار ١٩٦٥). بالطبع قصّة كهذه لا ولم وعلى الأغلب لن تعرّب وسيتّضح السبب عبر الأسطر التالية. 


تبدأ القصّة (مجموعة الصور الأولى) بأحد أتباع السلطان سليم الثاني الملقّب بالسكّير راكعاً أمام سيّده ومبشّراً إيّاه بفتح تونس ليردّ عليه السلطان قائلاً:


"مالي ومال تونس؟ ما يلزمني قبرص الغنيّة بالكروم الخصبة المشهورة بخمرها المسكر".





كانت قبرص وقتها من أملاك إمبراطوريّة البندقيّة Venice وتولّاها عنها بطل قصّة تان تان الجنرال Marco Antonio Bragadino. نرى في مجموعة الصور الثانية مبعوث العثمانييّن يطلب منه الاستسلام وكيف أجابه Bragadino - بإباءٍ وشمم - بالرفض ونذر أن يدافع عن "الأرض المسيحيّة التي ائتمنه الله عليها حتّى الموت". على الهامش خفّ تديّن فرنسا وأوروپا الغربيّة عموماً بشكل ملفت للنظر في الخمسين سنة الماضية وزادت علمانيّتها و"لباقتها السياسيّة". لربّما يكون نشر قصّة من هذا النوع أصعب في يومنا ممّا كان عليه في ستّينات القرن العشرين. 


أرسل العثمانيّون أسطولاً ضخماً إلى قبرص بقيادة لالا مصطفى باشا ونجحوا في الاستيلاء على نيقوسيا بيد أنّ Bragadino صمد في قلعة فاماجوستا Famagusta أحد عشرة شهراً قبل أن يضطرّ للاستسلام في مطلع آب ١٥٧١ بعد أعطاه لالا باشا الأمان (حسب الويكبيديا أمّا حسب تان تان فأخذ العثمانيّون القلعة بحدّ السيف).


تتفّق تان تان والويكيبيديا أنّ الفاتحين نقضوا عهدهم وكيف أمر لالا باشا بسلخ جلد Bragadino حيّاً (مجموعة الصور الثالثة). الخطوة التالية كانت التمثيل بجثّته وتقطيعها إرباً إرباً ثمّ حشوها بالقشّ وخياطتها والطواف بها على متن ثور في شوارع Famagusta (ويكيبيديا). 



هزّت وحشيّة الغزاة العالم المسيحي ونرى في نفس مجموعة الصور النبلاء يناشدون البابا Pie V (بيوس الخامس ١٥٦٦-١٥٧٢) لحشد حلف كاثوليكي مقدّس ضدّ السلطان المخمور بالنصر والعنجهيّة والذي يهددّ بغزو إيطاليا. أجاب الحبر الأعظم والكآبة في عينيه:


واحسرتاه! ماذا أتوقّع من ملك فرنسا الذي تحالف جدّه مع السلطان سليمان؟ (*)


هبّ ملك إسبانيا فیلیپ الثاني (١٥٥٦-١٥٩٨) لنجدة "العالم المسيحي" وساهم بالقسط الأكبر من الأسطول الكبير الذي شمل أيضاً وحدات من البندقيّة وروما وأرسل لمجابهة الخطر الداهم.


جرى اللقاء في خليج Lepanto في السابع من تشرين أوّل عام ١٥٧١ وانتصر الائتلاف الأوروپي ليدمّر٢٥٠ سفينة عثمانيّة ويحرّر ثلاثة عشر ألفاً من أسرى المسيحييّن وهكذا - حسب الكاتب - "تمّ إبعاد التهديد الإسلامي عن أوروپا مرّةً وإلى الأبد" (**). التفاصيل في المجموعة الرابعة والأخيرة من الصور ونرى فيها كيف فقد الإسباني Cervantes (الذي سيكتب رواية "دون كيشوت" لاحقاً) ذراعه وختامها البابا يبارك المحاربين المنتصرين. 



هذه صورة لالا مصطفى باشا في المصادر الغربيّة أمّا عن المصادر العربيّة فمنها من مجّده كإبن جمعة المقّار الذي نعته "بالوزير الأعظم والمشير الأفخم...فتح مدينة قبرس التي عجزت عنها الخلفاء والسلاطين" ومنها من ذمّه كالغزّي صفحة ١٨٤ من "الكواكب السائرة" الذي قال عنه "كان غشوماً سفّاكاً للدماء" ممّا يتّفق مع الرواية الأوروپيّة وطبائع الغزاة والفاتحين عموماً في كلّ زمان ومكان بعيداً عن إطراء متملّقيهم وبغضّ النظر عن اللوحة الروائيّة المثاليّة التي ترسمها مخيّلة معجبيهم.  


الصليبيّون أبطال في الغرب ومعتدون همج في الشرق الأدنى. بالمقابل "لم يعرف التاريخ الشرقي فاتحاً أرحم من العرب" (أو المسلمين) بينما ينظر الغرب إليهم من منظور مختلف بالكليّة. 






(*) ملك فرنسا آنذاك شارل التاسع (١٥٦٠-١٥٧٤) وجدّه الذي تحالف مع السلطان سليمان فرنسوا الأوّل.

(**) إذا كان المقصود التهديد العثماني فهو بالتأكيد لم ينته مع Lepanto كما ثبت في الحصار الثاني لمدينة ڤيينّا عام ١٦٨٣ (أي بعد أكثر من قرن من ليپانتو ) وفي الهزيمة التي ألحقها العثمانيّون بقيصر روسيا بطرس الأكبر في مطلع القرن الثامن عشر. 





صلاح الدين المنجّد. ولاة دمشق في العهد العثماني 


الغزّي. الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة





Stefan Weber.  Damascus: Ottoman Modernity and Urban Transformation 1808–1918, Proceedings of the Danish Institute of Damascus V 2009. 


Marco Antonio Bragadino


1 comment:

  1. tintin Numéro TB 09/65 (02/03/1965) Edition belge et édition canadienne.

    ReplyDelete