الكرامات من مآثر الأولياء وهي أعمال خارقة للعادة لا يفوقها إلّا المعجزات التي هي من خصائص الأنبياء حصراً. يمكن المقارنة بين كرامات المسلمين وشفاعات المسيحييّن وهذه الأخيرة تنسب للقدّيسين أمّا عن الحاجة إلى وساطة الولي أو القدّيس أو القدّيسة فعساها تعود إلى الرهبة التي تعتري المؤمن من اللجوء مباشرة إلى الله أو الأب الجبّار أو حتّى يسوع المسيح فادي العالم ومن هنا مكانة العذراء كأمّ لا يعرف حبّها وغفرانها الحدود (بالطبع لا تحتلّ مريم نفس المرتبة لدى كافّة الطوائف المسيحيّة خصوصاً البروتستانتيّة منها). إذاً كرامة أو وساطة الولي في الإسلام = شفاعة القدّيس في المسيحيّة.
عادة ما يتخصّص القدّيس-الشفيع في مجال معيّن على غرار الآلهة لدى اليونان والرومان حيث نرى ربّة للجمال (الزهرة Aphrodite اليونانيّة أو Venus الرومانيّة) وثانية للحكمة (اللات Athena اليونانيّة أو Minerva الرومانيّة) وثالثة للصيد (أرطاميس Artemis الإغريقية = Diana لدى الرومان) وإلهاً للنار (Hephaestus اليوناني أو Vulcan الروماني) والمرّيخ Mars ربّ الحرب وعطارد (Hermes اليوناني أو Mercury الروماني) للتجارة والترحال وزحل Saturn إله الرخاء وهلمّجراً.
إذاً للآلهة اختصاصات لا يتفوّق عليها في العدد والتشعّب والتعقيد إلّا اختصاصات قدّيسيّ المسيحيّة في القرون الوسطى: قدّيس للجنود وآخر للفرسان وثالث للأطبّاء ورابع للحطّابين وخامس للمحلّفين وسادس للعمّال....
تناقلت الألسنة ولربّما لا تزال - خصوصاً ألسنة النساء - أخبار كرامات الأولياء في دمشق كما عرفتها في صغري ومازلت أذكر كيف كان الشيخ القاوي "يحكي التليفون من دكّة لباسو" وكيف كان الشيخ الحارون يبصق في فم الطفل الذي أعيا فيه نطس الأطبّاء فيشفى من علّته على التوّ ويبول في خزّان بنزين السيّارة مزوّداً إيّاها بوقود أفضل من أفضل أنواع البنزين... تجدر الإشارة هنا أنّ الكثير من رجال الدين المسلمين وخصوصاً الحنابلة منهم أدانوا هذه القصص كخزعبلات منافية للعقل.
عاش الشيخ رسلان (مواليد قلعة جعبر) في القرن الثاني عشر للميلاد وهو معاصر للأتابك نور الدين زنكي أمّا جامعه وتربته فهما في دمشق خارج باب توما لصيق مسجد خالد ابن الوليد. الصورة عن العلبي الذي علّق أنّ "وجود الشيخ رسلان بركة إذ لولاه لهدمت تربة باب توما وتحوّلت إلى حديقة".
لا نستطيع أن ننكر على هذا الولي كل جدارة واستحقاق بغضّ النظر عن صحّة الكرامات المنسوبة إليه من عدمها وهي معروفة ومشهورة في المصادر التاريخيّة ومنها التحويم في الهواء وإثمار الأشجار اليابسة بمجرّد جلوسه تحتها وملازمة الطيور ضريحه منذ دفنه أمّا عن تبجيل الناس للشيخ رسلان "حامي البرّ والشام" فحدّث ولا حرج.
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق دار الطبّاع ١٩٨٩
Will Durant. The Age of Faith.
ReplyDelete