صنّف العلبي (عن النعيمي) هذه الآبدة مع مدارس الحنابلة أمّا ابن طولون فقد ذكرها داراً للحديث مضيفاً أنّها كانت في حالة سيّئة في عهده وأنّ شيخاً جعل خلاويها سكناً لفقرائه. بقي من البناء اليوم قاعتان مفصولتان بدهليز: القاعة الأولى (الغربيّة) للتربة المقبّبة المربّعة الشكل التي يبلغ ارتفاعها عشرة أمتار وضلعها خمسة عشر متراً. بنيت هذه القاعة بالحجارة الكبيرة وهي لا تزال موجودة وفي حالة جيّدة ويزعم Allen (تسعينات القرن الماضي) أنّ القبر مستعمل كسكن ولكن استناداً إلى موسوعة الآثار والسيّدة بوظة - وهما الأحدث - "شغلت المبنى رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان بدمشق وهي مغلقة حاليّاً".
القاعة الثانية أو الشرقيّة دارسة باستثناء جداريها الشمالي المطلّ على الشارع بنافذة (مسدودة اليوم) والغربي المواجه للقاعة الأولى.
للتربة (أي القاعة الأولى الغربيّة) نافذة وحيدة على الجدار الغربي. يتمّ الدخول إلى البناء من ممرّ (الدهليز المذكور أعلاه بين القاعتين) وباب على ساكفه لوحة خالية من الكتابة. على الأرجح كان هذا الباب نافذة في الماضي بدلالة آثار ثقوب على الساكف والقائمين لا بدّ أنّها كانت نقاطاً لارتكاز شبكة النافذة. إذاً مدخل البناء الأصلي لم يكن في موضعه الحالي ولربّما كان في الجدار الغربي وبالفعل إذا دقّقنا بصورة الواجهة الشماليّة (عن Allen) نرى مسار المداميك الأبلقيّة يستمرّ لمسافة متر على الأقلّ بعد الزاوية الشماليّة الغربيّة ويعني هذا أنّ الضريح كان مرئيّاً من الشارع من جهة الغرب عبر النافذة الغربيّة أو فتحة ما.
هناك إشكال آخر في تماثل مسار المداميك على جانبيّ النافذة في جدار التربة بينما نراها مختلفة شرق الباب المركزي (الذي كان نافذة سابقاً) حيث نرى مداميك أبلقيّة إضافيّة تحت مستوى ساكف الباب. بإضافة وتحليل هذه الملاحظات نستنتج مرحلة ثانية للبناء أجريت فيها تعديلات هامّة على المخطّط الأصلي ويطرح Allen افتراضاً مفاده أنّ كلّ ما يقع بعد النهاية الشرقيّة لطنف cornice التربة (الذي يتوقّف على بعد ٦٠ عشير المتر قبل النافذة-الباب في المركز) معاد البناء دون تحديد تاريخ هذه الإعادة.
تتكوّن قبّة التربة من طاسة آجريّة محزّزة ترتكز على رقبتين (أيضاً من الآجرّ) للسفليّة منهما إثنا عشر ضلعاً تحتوي على اثنتي عشر نافذة معقودة والعلويّة أربع وعشرون ضلعاً تتناوب فيه النوافذ المعقودة (عددها ستّة) مع المحاريب (ستّة) ومع الجدران الصمّاء (إثنا عشر). هذا العدد فريد في ترب دمشق المكوّنة عادة من رقبة سفليّة يثمانية أضلاع وعلويّة بستّة عشر ضلعاً. يتمّ الانتقال من المربّع إلى الدائرة بوساطة مثلّثات كرويّة مشطورة أو مكسورة split pendentives (وسيلة أكثر تقدّماً من الحنايا الركنيّة squinches).
للجدار الجنوبي (أي الجهة الخلفيّة من البناء) أهميّة خاصّة تتمثّل في الكتابة التأسيسيّة التي تعرّضنا لنصّها في منشور سابق. هذه الكتابة منقوشة على ساكف نافذة (الوحيدة في الضلع الجنوبي) مكوّن من قطعة حجريّة واحدة يعلوها عقد عاتق مؤلّف من ثلاثة أحجار.
تلفت فخامة التربة - بمقاييس ذلك الزمن - الانتباه وتدلّنا على أنّ أمة اللطيف كانت من الغنى والثراء بما يسمح لها بالإنفاق على ضريح باذخ كهذا. بوشرت العمارة على الأغلب قبل أن تصادر أموالها وتودع السجن ولربّما كان في زوال حظوتها التفسير لوجود الكتابة التأسيسيّة في موضع غير مألوف أي خلف البناء عوضاً عن الواجهة التي تعرّضت للتعديل كما رأينا.
الصورتان عن Allen.
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق. دار الطبّاع ١٩٨٩
عبد القادر ريحاوي. العمارة العربيّة الإسلاميّة. الطبعة الثانية ١٩٩٩
الآثار الإسلاميّة في مدينة دمشق. تعريب قاسم طوير
نسرين بوظة. موسوعة الآثار في سورية
تربة أمة اللطيف. الكتابة التأسيسيّة
Karl Wulzinger & Carl Watzinger. Damaskus, die Islamische Stadt. Walter de Gruyter 1924.
No comments:
Post a Comment