كانت العالمة أمة اللطيف بانية المدرسة/التربة الشهيرة في دمشق (العفيف على طريق المهاجرين) حسب موسوعة الآثار في سورية - وكثير من المواقع على الشبكة - "سيّدة فاضلة زاهدة محاضرة لها تصانيف بعلوم الدين". فلنبدأ بالتعرّف عليها من خلال المصادر التاريخيّة قبل رسم الخطوط العريضة للآبدة المنسوبة إليها.
قصّة تمويل مظفّر الدين كوكبوري صاحب إربيل لبناء جامع الحنابلة في الصالحيّة معروفة ومن الممكن اعتبار هذه المبادرة في إطار دعمه لبني قدامة. أخذت ربيعة خاتون (قرينة كوكبوري وأخت صلاح الدين) تحت حمايتها عائلة حنبليّة ثانية في شخص الشيخ الناصح الحنبلي وابنته أمة اللطيف. فلنقرأ ما كتبه عبد القادر النعيمي عنها في كتاب الدارس في تاريخ المدارس الذي يعتبر وبحقّ أحد أهمّ المراجع عن أوابد دمشق الإسلاميّة.
كتب النعيمي تحت مدرسة الصاحبة ترجمة لواقفتها ربيعة خاتون جاء فيها عن أمة اللطيف ما يلي: "قدمت إلى دمشق وفي خدمتها العالمة أمة اللطيف بنت الناصح الحنبلي فأحبّتها وحصل لها من حبّها أموال عظيمة وأشارت إليها ببناء المدرسة الصاحبة في جبل قاسيون...".
كتب النعيمي أيضاً تحت باب "المدرسة العالمة" سيرة أمة اللطيف بمزيد من التفصيل فقال "الشيخة الصالحة العالمة أمة اللطيف بنت الشيخ الناصح الحنبلي المتقدّم ذكره في المدرسة التي قبل هذه وكانت فاضلة لها تصانيف وهي التي أرشدت ربيعة خاتون بنت نجم الدين أيّوب أخت الملك صلاح الدين إلى وقف المدرسة الصاحبيّة بقاسيون على الحنابلة أيضاً ثمّ لمّا ماتت ربيعة خاتون وقعت العالمة المذكورة في المصادرات وحبست مدّة ثمّ أفرج عنها وتزوّجها الأشرف صاحب حمص وسافرت معه إلى الرحبة وتلّ باشر ثمّ توفّيت رحمها الله تعالى في سنة ثلاث وخمسين وستمائة (١) ووجد لها بدمشق جواهر وذخائر نفيسة تقدّر ستمائة ألف درهم غير الأملاك والأوقاف قال ابن كثير في سنة ثلاث وأربعين وستمائة (٢)...
(١) الموافق ١٢٥٥ للميلاد.
(٢) الموافق ١٢٤٥-١٢٤٦ للميلاد. علّ التاريخ الأوّل هو الأقرب إلى الصواب.
نستخلص من نصيّ النعيمي السابقين ما يلي:
أوّلاً. العالمة أمة اللطيف كانت محميّة ربيعة خاتون أخت صلاح الدين وأنّ هذه الأخيرة أغدقت عليها أموالاً طائلةً.
ثانياً. مع موت ربيعة خاتون فقدت أمة اللطيف حظوتها وأكبر سند لها حتّى ذلك الحين وزجّت في السجن وصودرت ثروتها الطائلة - لربّما على شبهة الفساد والإثراء عن طريق المحسوبيّة - وعلى ما يظهر عاد نجمها إلى الصعود بعد الإفراج عنها بدلالة اقترانها بصاحب حمص.
لا يوجد ما يدعوا للشكّ في علم أمة اللطيف في وقت ندر فيه من يعرف القراءة والكتابة ولا سبب إلى الطعن في فضلها أمّا تعبير "زهدها" فهو في غير محلّه على أقلّ تقدير - مهما مطّطنا هذا المفهوم-. من أين أتى هذا الزهد المزعوم لإنسانة متنفّذة عاشرت أغنى أغنياء الشام وكدّست ثروة ضخمة وصفها النعيمي "بأموال عظيمة" قبل أن يتعرّض لذكر الكنوز التي خلّفتها؟
إذا لم يكن الفقر عيباً فمن باب أولى أنّ الغنى ليس عيباً وكما يقولون "صيت غنى ولا صيت فقر" أمّا عن وصف من جمع ثروته أو ثروتها عن طريق صحبة الملوك والسلاطين بالزهد فرصف كلام من هذا النوع مدهش من ناحية لغوية بحتة بغضّ النظر عن أي اعتبارات ثانية.
الصورة عن العلبي.
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق. دار الطبّاع ١٩٨٩
نسرين بوظة. موسوعة الآثار في سورية
No comments:
Post a Comment