أهملت المصادر العامّة عن دمشق هذه المدرسة الجميلة والعريقة إلى درجة تثير الدهشة وعلّ ذلك عائد إلى الكثرة النسبيّة لأوابد القرن الثامن عشر في العاصمة السوريّة مقارنة مع القرن الذي سبقه. أقوم في الأسطر التالية بمحاولة متواضعة لعرض ما استطعت جمعه من المعلومات عنها بانتظار المزيد من التفاصيل التي لا بدّ وأنّها موجودة في بعض المراجع الاختصاصيّة وإن لم تتوافر للعموم. المدرسة تستحقّ - مثل كثير من الآثار الشاميّة - كتاباً كاملاً على أقلّ تقدير.
ذكر الألمانيّان Wulzinger & Watzinger هذه الآبدة باختصار في دراستهما الصادرة عام ١٩٢٤ تحت اسم جامع ومدرسة القيمريّة ولكن في حوزتنا مصدر أقدم في شخص المستشرق الإنجليزي David Samuel Margoliouth والصفحة ٢٤٠ من كتابه "القاهرة والقدس ودمشق" الصادر عام ١٩٠٧ حيث نسب المدرسة خطأً إلى أمير يدعى القيمري أنفق أربعين ألف درهماً على ساعة فوق بابها وكان ذلك - حسب Margoliouth - عام ١٢٦٦. استند العالم في وصفه المبتسر على سلفه الألماني Alfred von Kremer (١٨٢٨-١٨٨٩) وكتابه عن طبوغرافيا دمشق عام ١٨٥٥ وعلّ هذا الأخير أقدم مصدر غربي يصف المدرسة ولكنّه نافذ وعلى علمي لم يترجم من الألمانيّة إلى أي لغة ثانية.
عودة على وصف W & W: يشبه مخطّط المدرسة في نظرهما (لم أنجح في العثور على أي مخطّط للبناء على الشبكة) نظيره في مدرسة عبد الله باشا العظم الذي تعرّفنا عليه في منشور سابق ويتلخّص في صحن شماليّ محفوف بأروقة معقودة arcades أو قناطر إذا شئنا. تتوزّع الحجرات على طابقين خلف هذه الأروقة أمّا الحرم فهو قبلي ويتقدّمه رواق معقود يرتكز على دعامات تحيط بكلّ منها حزمة من الأعمدة النحيلة أقرب ما تكون إلى سويريّات colonnettes وتتوّجه ثلاث قباب مثمّنة الرقاب. مداميك البناء أبلقيّة يتناوب فيها اللونان الأبيض والأسود.
هذا باختصار ما ورد في المرجع الألماني ويمكن استكمال الوصف من الصفحة ٢٤٢ لكتاب "ثمار المقاصد في ذكر المساجد" عن الدكتور أسعد طلس وهو - وإن كان أقلّ وضوحاً - يضيف إلى معلوماتنا خصوصاً في الكتابات التاريخيّة التي أوردها.
بدأ طلس بذكر الواجهة الحجريّة حيث يتوسّط باب شبّاكين وفوقه الشعر الآتي:
قد وفّق الله من حباه لكلّ ما يرضى مراده
بنى لكسب العلوم داراً ومسجداً شيّد للإفادة
فجاء تاريخه ببيت قد أحكمته يد الإجادة
للّه ما قد بنى وأحيا من مسجد الفتح للعبادة سنة ١١٥٦ (*)
(*) ١٧٤٣-١٧٤٤ للميلاد. هناك اختلاف بسيط في النصّ بين طلس وعبد القادر بدران في "منادمة الأطلال": انظر الروابط الملحقة.
تتوسّط بحرة ذات إثني عشر ضلعاً الصحن ويكتنفه من الشرق والغرب رواقان معقودان على ثلاثة قناطر أمّا من الجنوب فنواجه الرواق المعقود المقبّب (الصورة العليا بالأبيض والأسود عن Sack وهي من ثمانينات القرن الماضي أو قبل أمّا الثانية فعن العلبي) الذي وصفه W & W حيث يقع باب حرم الصلاة الخشبي المطعّم تحت القبّة الوسطى وفوق هذا الباب الأبيات التالية:
من كان للخيرات أهلاً نجا ولله كافٍ من إليه التجا
حسن به الظنّ تنل برّه فهو وليّ النعم المرتجا
يا ناظراً ترعاك عين الذي وفّق للمعروف أهل الحجا
قل أن تؤرّخ طالباً للدعا الواقف الفتح بباب الرجا (**)
(**) قارن مع نصّ بدران: المصدر السابق.
تعلوا قبّة كبيرة حرم الصلاة أو ما أسماه طلس "القبليّة". هناك المزيد من الشعر فوق المحراب كما يلي:
احكم الفتح فيه مسجداً محكم الذكر بالعبادة زاه
فجزاه عنه المهيمن خيراً وحباه الرضى بأرفع جاه
ما دعاة الفلاح والدين نادت في البرايا للرشد بالانتباه
ارخوا واجعلوا الهدى بأمن حرماً آمناً بفتح الله
أفاد طلس أنّ المنبر من خشب لطيف النقوش ولكنّه مشوّه بدهان حديث عليه:
نال الثواب به والفتح أرّخه وطاب منبر هدى شاده الفتح سنة ١١٥٨ (***)
(***) الموافق ١٧٤٥ للميلاد.
نلاحظ دون عناء تواتر "الفتح" في عدّة أماكن: الشعر فوق واجهة المدرسة وباب حرم الصلاة وأعلى المحراب والمنبر ولا ريب أنّ القصد تذكير الزوّار والمصلّين باستمرار بالواقف: فتحي الدفتري أو فتحي بن محمّد بن محمّد بن محمود الفلاقنسي الدفتردار غريم أسعد باشا العظم في صراع على السلطة فاز به هذا الأخير وفقد فيه فتحي أفندي رأسه.
أخيراً ألحق صورة مئذنة جامع المدرسة الفتحيّة عن الدكتور قتيبة الشهابي وهي ملتقطة من الغرب إلى الشرق في شتاء ١٩٩١.
أكرم حسن العلبي. خطط دمشق. دار الطبّاع ١٩٨٩
الآثار الإسلاميّة في مدينة دمشق. تعريب قاسم طوير
أسعد طلس. ثمار المقاصد في ذكر المساجد
عبد القادر بدران. منادمة الأطلال ومسامرة الخيال
David Samuel Margoliouth. Cairo, Jerusalem, and Damascus
Dorothée Sack. Damaskus. Entwicklung und Struktur einer orientalisch-islamischen Stadt. von Zabern, Mainz 1989.
Karl Wulzinger & Carl Watzinger. Damaskus, die Islamische Stadt. Walter de Gruyter 1924.
No comments:
Post a Comment