روى ابن عساكر في الصفحة ٢١ من "تاريخ دمشق" كما حقّقه الدكتور صلاح الدين المنجّد أنّه "كان في موضع مسجد دمشق كنيسة من كنائس العجم فكان المسلمون بصلّون في ناحية منها والنصارى في ناحية منها فلم يزالوا كذلك منذ فتحت حتّى ولّي الوليد بن عبد الملك".
الإشارة بالطبع إلى مسجد الصحابة الذي شغل القسم الشرقي من "كنيسة العجم" بينما استمرّ المسيحيّون في الصلاة في قسمها الغربي منذ فتح دمشق عام ٦٣٥ للميلاد وحتّى بداية عهد الوليد عام ٧٠٥.
قبل المؤرّخون المسلمون عموماً هذه الرواية وسلّم بها بشكل أو بآخر المستشرق البريطاني Creswell مع التحفّظ أنّ ما تمّ اقتسامه بين المسلمين والمسيحييّن ليس الكنيسة التي تواجدت في القسم الغربي من الحرم الروماني وإنّما معبد المشتري الداخلي temenos وممّا يعزّز وجهة نظره المساحة الكبيرة التي احتلّها المعبد الوثني والتي لو شغلتها الكنيسة بكاملها لكانت إحدى أكبر الكنائس المسيحيّة وقتها إن لم تكن أكبرها على الإطلاق.
نأتي اليوم إلى وجهة نظر تخالف سابقتها على طول الخطّ ومفادها أنّ مشاركة المسلمين والمسيحييّن للكنيسة أو الحرم قصّة مختلقة من أساسها ومتأخّرة عن الأحداث المزعومة (يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ ابن عساكر كتب في القرن الثاني عشر للميلاد أي بعد قرابة خمسمائة سنة من الفتح الإسلامي والأحداث المترتّبة عليه). لخّص الفرنسي اليسوعي Henri Lammens رأيه كما يلي:
{كان بناء جامع كبير في عاصمته أحد أوّل اهتمامات الوليد الذي ركّز مطامحه على كنيسة القدّيس يوحنّا. هناك أسطورة متداولة تزعم أنّ هذه الكنيسة قسّمت بعيد الفتح بين المسيحييّن والمسلمين بيد أنّ هذه الرواية تناقض شهادة لا التباس فيها لأحد الحجّاج الإفرنج المدعو Arculfe. زار المذكور دمشق في عهد معاوية وترك لنا هذا النصّ الهامّ باللاتينيّة:
"in honorem sancti Joannis baptistae grandis fundata ecclesia est. Quaedam etiam Saracenorum ecclesia incredulorum et ipsa in eadem civitate, quam ipsi frequentant, fabricata est ".
"تأسّست كنيسة كبيرة في دمشق تكريماً للقدّيس يوحنّا المعمدان وبنى السراسنة الكفّار (*) أيضاً كنيسة (**) في نفس المدينة يتردّدون عليها بانتظام".
(*) أي sarrasin وهي التسمية التي أطلقها الأوروبيّون على المسلمين في القرون الوسطى.
(**) المقصود مسجد.
نستنتج ممّا قاله Arculfe أنّ المسلمين في عهد معاوية اكتفوا ببناء مسجد وحيد ومتواضع في دمشق ولم يشاركوا المسيحييّن في الكاتدرائيّة التي بقيت بكاملها في حوزتهم خلال الفترة السفيانيّة. كان عدد العرب في دمشق آنذاك قليلاً وسنتأكّد من ذلك لدى دراسة عمليّة تعريب بلاد الشام}.
الخلاصة استند Lammens في زعمه على شهادة من القرن السابع الميلادي وهي بالتأكيد أقرب بكثير إلى الموضوع قيد البحث من رواية ابن عساكر أمّا ما حدث فعلاً فيبقى ضائعاً في غياهب التاريخ.
معبد دمشق من كنيسة يوحنّا المعمدان إلى جامع بني أميّة الكبير
No comments:
Post a Comment