Tuesday, April 4, 2017

معبد دمشق من كنيسة يوحنا المعمدان إلى جامع بني أمية الكبير

يعزوا المؤرخون إلى الإمبراطور ثيودوسيوس (379-395) تحويل معبد جوبيتر الدمشقي إلى كنيسة مسيحية ويجمع الرواة العرب أن الوليد ابن عبد الملك سادس خلفاء بني أمية أمر بهدم هذه الكتبسة عام 705 للميلاد وبناء الجامع الأموي في مكانها والذي أنجز عام 715. إذا أخذنا بالحسبان أن المسلمين دخلوا دمشق عام 634 فالسؤال المنطقي هو التالي: ماذا عن المعبد خلال العقود السبعة التي تفصل بين التاريخين؟

الرواية الأكثر تداولاً تقول استناداً إلى تفسير معين لإبن عساكر (1105-1176) أنه لدى دخول دمشق جرى اتفاق بين الوافدين العرب وسكان المدينة تم بموجبه اقتسام الكنيسة إلى قسمين شرقي للمسلمين سمي مسجد الصحابة وغربي للمسيحيين ويدخل المصلون إلى الحرم من الجنوب ومن ثم يتجه المسلمون إلى اليمين والمسيحيون إلى الشمال.

لعل أفضل ما كتب في هذا الصدد تفسير المؤرخ البريطاني Creswell أخصائي العمارة الإسلامية (ولد 1879 وتوفي 1974) وصاحب أهم مرجع لبواكير هذه العمارة: Early Muslim Architecture والذي نشر على مرحلتين عام 1932 ثم 1940 ومن ثم جرى نشر "موجز" له لا يزيد عن 330 صفحة عام 1958. يتناول هذا الكتاب العمارة الإسلامية من منتصف القرن السابع إلى أواخر القرن التاسع للميلاد.




منهج Creswell يتلخص في مقدمة تاريخية سريعة يتبعها وصف مفصل للبناء من الناحية الهندسية والفنية مع مراعاة تمييز الأصل عن الإضافات اللاحقة ومن ثم مراجعة وصف الرواة للأثر قيد البحث ومقارنته مع الموجودات الملموسة. كثير من الآثار التي تعرض لها درست ومعظم ما تبقى تغير كثيراً منذ إنشائه سواء كان ذلك نتيجة للترميم أو التوسيع أو التغيير المتعمد. بالنسبة لسيرة المؤلف يمكن الرجوع إلى الصورة المرفقة التالية.


تبدوا رواية اقتسام الجامع للوهلة الأولى منطقية إذ كانت سوريا وقتها غنية بالأوابد التي شارك فبها المسلمون أو استحوذوا عليها وهنا تجدر الإشارة أنهم لم يجشموا أنفسهم عناء بناء مدن جديدة في بلاد الشام على عكس ما حدث في العراق الذي شهد نشأة عدد من المدن الإسلامية بداية من البصرة والكوفة وواسط إلى بغداد وسامراء ومع ذلك فقد رفض Lammens هذا الزعم الذي عزاه إلى اختلاق من قبل الشاعر الفرزدق وشكك فيه Sauvaget كأسطورة من تأليف إبن عساكر أو مصادره بينما قبله البعض ك Dussaud مثلاً كحقيقة تاريخية.

يثير Creswell اعتراضين على نظرية تقسيم الكنيسة: الأول أن كل من يعرف دمشق يعلم أن المسيحيين واليهود يقطنون الأحياء الشرقية بينما يقطن المسلمون الغربية فلم يخصص قسم الكنيسة الشرقي للمسلمين (مسجد الصحابة) والغربي للمسيحيين؟ الثاني أن الواقدي (748-823) والذي ادعى رؤية معاهدة تسليم المدينة بأم عينه لا يذكر شيئاً عن هذا التقسيم المزعوم لا بل وينكره من أساسه. بمزيد من التدقيق فيما كتبه إبن عساكر نرى أنه عندما تعرض لاستيلاء الوليد على الكنيسة بهدف بناء الجامع فإنه تكلم عن كنيسة وليس النصف الباقي منها وأن النتيجة المنطقية أن الكنيسة المذكورة شغلت قسماً (الغربي) من معبد جوبيتر الروماني وليس كامل المعبد وبالتالي فمسجد الصحابة بني في القسم الشرقي الجنوبي في هذا المعبد temenos مستقلاً عن الكنيسة وليس على حسابها. بعبارة أخرى ما جرى اقتسامه كان المعبد الروماني وليس الكنيسة المسيحية إلى أن قرر الوليد هدمها بعد سبعين سنة بهدف توسيع الجامع واستيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين.  


من البدهي أن مصداقية إبن عساكر أو غيره هي بالنتيجة مصداقية مصادره التي درست فعلى سبيل المثال روايته عن كيفية طلب الوليد مساعدة "ملك الروم في القسطنطينية" لبناء الجامع منافية للعقل إلى أبعد الحدود إذ "لئن لم يرسل (إمبراطور بيزنطة) العمال والحرفيين (الذين طلبهم الخليفة) فليغزون الوليد بلاده بالجيوش ولييخربن كل كنيسة في بلاده حتى كنيسة القيامة في القدس وكنيسة الرها وجميع كنائس الروم".

 بالنتيجة ليست كلمة Creswell  القول الفصل في هذا الموضوع الشائك والذي دار عليه ولا يزال الكثير من الجدل ولكنه تبقى بعد ستين عاماً ونيف من أفضل ما كتب في هذا الصدد استناداً إلى الموجودات العينية ومدونات الرواة ومحاكمة عقلانية متجردة لأحد ألمع أكاديميي القرن الماضي.

الجدار الغربي لجامع بني أمية الكبير في منتصف القرن العشرين

No comments:

Post a Comment