Saturday, April 22, 2017

ضواحي دمشق

لا يختلف إثنان على أهمية مدينة دمشق داخل السورمن النواحي التاريخية والعمرانية والفنية والإنسانية ولكن ماذا عن ضواحيها التاريخية التي عانت  من الإهمال والجهل  وقصر نظر (إن لم نقل جشع) سماسرة العقارات وما يسمى تجاوزاً "تنظيم المدينة" وهو في الحقيقة "تعليب مبهرج" لتدمير معالمها ونسيجها العمراني؟! 


كثير من محبي دمشق وحتى الأخصائيين من اعتقد أن هذه الضواحي كتب عليها الفناء وعلى سبيل المثال أسر السيد Michel Ecochard إلى الدكتور سامي عبد الحق بأنه ولشديد أسفه لا يؤمن بإمكانية إنقاذ هذه الضواحي وبالتالي فقد فضل أن يركز جهوده على حماية المدينة داخل السور. هذا الكتاب الصادر عام 2010 بالفرنسية والعربية عن المعهد الفرنسي للشرق الأدنى جاء في محاولة لإثبات العكس: أي أن هذه الضواحي ليست كيانات جامدة وإنما هي على العكس كانت ولا تزال تتطور وتتأقلم مع الظروف المتغيرة وأن إنقاذها كان ولا يزال في حدود الإمكان وقد قرن المؤلفون رأيهم بدراسة تقدم مقترحات لحلول واقعية وعملية مدعومة بعدد كبير من المخططات والخرائط والصورالمهنية ذات الدقة العالية.


الكتاب حوالي 400 صفحة بقياس 32 سم في 23 سم والمؤلفان السادة Yves Roujon و Luc Vilan وقد استغرق العمل بما فيه جمع المعطيات من قبل 150 من طلاب العمارة في "ورشة دمشق" في مدارس Versailles و Belleville حولي عشر سنوات.

للتوكيد وكما نرى في الخارطة اللاحقة المقصود بضواحي دمشق ضواحيها التاريخية أي الصالحية وسوق ساروجة (ويشمل العقيبة) والعمارة والقنوات والسويقة والميدان والشاغور. أضاف المؤلفان بهدف التنظيم والتبويب "ضاحية ثامنة" هي "أحياء بردى" الواقعة شمال المدينة القديمة داخل السور والمتاخمة للعمارة وساروجة. 


يتناول المؤلفان الأحياء أو بالأحرى الضواحي الواحد بعد الآخر بشكل منهجي ونقطة البداية هي خريطة المسح العقاري التي رسمت في ثلاثينات القرن العشرين زمن الإنتداب الفرنسي ومن ثم يتقصيان الطرق والمقاسم والآثار وبعض البيوت وهنا التركيز على بيوت عادية نمطية للشام القديمة وليس القصور التي تسمى تجاوزاً بيوتاً كبيوت نظام والسباعي والمجلد وهلمجرا. بعد البيوت نأتي إلى الأماكن العامة كالساحات والمقابر كل هذا مزين بمجموعة من الصور البديعة الملونة.

الصالحية

يختم الكاتبان كل فصل بعرض لوضعه الراهن (أي في العقد الأول للقرن الحادي والعشرين) ومن ثم يقدمان مقترحات لما يتحتم الحفاظ عليه وما يمكن التضحية به وما يمكن تطويره. منهج رائع وطرح منطقي يمكن تعميمه على الكثير من المدن السورية والمجاورة لسوريا. 

سباط في سوق ساروجة

بعض الملاحظات السريعة: أولاً ليست كل الضواحي مهددة بنفس الدرجة فعلى سبيل المثال سوق ساروجة عانى أكثر من غيره من "غزوات وفتوحات" تجار العقارات و"منظمي" المدينة. ثانياً هناك خصائص مشتركة تجمع هذه الأحياء ولكن يتميز البعض منها عن البعض الآخر بمزايا معينة فمثلاً بعض الأحياء يغلب عليها الطابع التجاري وبعضها السكني. الصالحية تقع على سفح قاسيون وتتبع أبنيتها تضاريس انحداره وتكثر فيها المعالم الأيوبية بينما يقع الميدان على أرض مستوية ويزخر بالآثار المملوكية علاوة على بايكاته (جمع بايكة) المشهورة. 

العمارة في اتجاه شارع بغداد

يقوم المؤلفان في نهاية الكتاب بتجميع المعطيات من مختلف الضواحي لبناء مخطط ورؤية مستقبلية شاملة ومتفائلة تميز بين المدينة داخل السور وضواحيها التاريخية موضوع البحث والمدينة الحديثة.

جامع التيروزي في السويقة ويفصل الشارع حرم الصلاة والضريح عن المئذنة

بدت الأمور هكذا أو كادت عام 2010 ولا حاجة للتذكير بالأحداث الأليمة التي بدأت بعد نشر الكتاب بعام واحد لا أكثر ناهيك عن الدخول فيها.

كنيسة رقاد السيدة العذراء في الميدان


No comments:

Post a Comment