Tuesday, April 11, 2017

مرآة دمشق

من المؤسف أن العديد من أجمل المؤلفات عن دمشق كتبها أجانب تعلقوا فيها كأهلها أو كادوا. الكاتب Colin Thubron روائي إنجليزي من مواليد عام 1939 وشائت الأقدار أن يكون كتابه عن دمشق أول أعماله في مؤلفات الترحال وأول كتاب من هذا النوع عن المدينة بعد انقطاع تجاوزالنصف قرن من الزمن. 



زار السيد Thubron دمشق للمرة الأولى عام 1962 وأقام فيها لفترة انتهت عام 1966 أما الكتاب فقد صدر في 1967 ومن الواضح أن المؤلف ملم بتاريخ المدينة ومطلع على الكثير مما كتب عنها في الأدب الأوروبي خاصة باللغتين الإنجليزية والفرنسية ومع ذلك فقد أكد بكل تواضع ودماثة في مقدمة كتابه (والذي لا يخلوا من بعض الأخطاء والهنات) أنه لا يهدف إلى إضافة معلومات جديدة أو سد ثغرات وأن عمله بالأحرى بدأ كوصف وتأريخ قبل أن يتخذ طابعاً شخصياً وأنه بكل بساطة "a work of love" يعكس حبه للمدينة. 

لم يزر الكاتب دمشق كملك أو أمير لا بل ولا حتى كأكاديمي. كان وقتها شاباً لم يبلغ عمره الثلاثين وكانت تنقلاته على قدميه أو بواسطة دراجته مع الإستعانة ببعض الأدلة المحليين أما عن إقامته فكانت لدى عائلة مسيحية تقطن في جوار الشارع المستقيم: الياس وأم طوني. رغم تواضع وسائله نجح الكاتب في زيارة العديد من معالم المدينة والمنطقة المحيطة بها وكانت أحد أهم الصعوبات التي واجهها لغوية فلغته العربية كانت محدودة وكذلك الوضع فيما يتعلق بإلمام الدمشقيين الذين احتك معهم في اللغات الأجنبية ولا عجب فقد كانوا من الطبقى الوسطى الأقل يسراً في مدينة لا تزال محافظة ومعزولة نسبياً عن العالم الخارجي. 



يتعرض الكاتب بتفصيل لا بأس به أبداً إلى تاريخ المدينة من أقدم العهود وصولاً إلى المشهد المعاصر وآخر حدث دونه كان الإنقلاب الذي أطاح بأمين الحافظ في شباط 1966 وأما عن معالم دمشق فقد وصفها بإيجاز ولكن بدقة معقولة بالنسبة لحجم الكتاب ونستطيع وصف أسلوبه دون مبالغة بالمختصر المفيد والسهل الممتنع الذي ربط الأوابد بالأحداث والأشخاص معتمداً على المراجع التي قرأها والمواقع التي زارها وعاينها. لاحظ أحد الظرفاء اهتمامه بالأضرحة فسأله: "أراك تتأمل القبور باستمرار ألا يموت الناس في لندن؟" تزين الكتاب مجموعة صغيرة ولكنها رائعة من الصور بالأبيض والأسود والتي لا يتسع المجال لتحميلها هنا وآمل أن أفعل ذلك مستقبلاً بالتدريج مع تقديم موجز. 


علاوة على وصف المدينة ومحيطها لم يغفل الكاتب وصف سكانها وكان لا مناص له كأديب أن يطري جمال نسائها وقد أعجب خصوصاً باليهوديات وأما بالنسبة للملثمات فقد ارتأى أن الحجاب يزيد في إغرائهن. بالنسبة للتوزيع الطائفي فقد قدرعدد يهود دمشق بحوالي أربعة آلاف (بينما كان عددهم أربع عشر ألفاً عام 1947) والمسيحيين 65 ألف أو 10% من سكان المدينة أما عن الدروز فبلغ عددهم 16 ألف ونعتهم "بأجمل أهل دمشق" وهنا أضاف بعض "المعلومات" التي استقاها من الشائعات المحلية من نوع أنهم يعبدون العجل الذهبي وأنهم يصلون للأبقار ولم يفته أن يذكر بعض الأساطير عن أصولهم وعلى سبيل المثال جدهم الأكبر المزعوم Comte de Dreux وغيره.



خلاصة الكلام الكتاب ممتع للغاية ولغته يسيرة المتناول أقرب إلى السرد القصصي وأبعد ما يكون عن المصطلحات والتعابير الأكاديمية الجافة والتقعر في الكلام. يبقى هذا العمل جديراً بالترجمة رغم انقضاء نصف قرن من الزمن على نشره. 


No comments:

Post a Comment