Saturday, April 15, 2017

لؤلؤة الشرق

أصبح الضعف المتزايد للإمراطورية العثمانية واضحاً للعيان مع نهاية القرن الثامن عشر وحملة نابوليون إلى مصر وسوريا ومع حلول القرن التاسع عشر تسارع التدخل الأوروبي وأخذ أشكالاً متعددة اقتصادية وثقافية ودينية وسياسية. من الأوروبيين من قصد الشرق الأدنى كتجار ومستثمرين وعسكر ومنهم من أتى إليه كمبشرين ومعلمين وأما عن نواياهم فتفاوتت بين نفعية بحتة إلى مثالية خالصة وعل مآرب الأغلبية كانت خليطاً بنسبة متفاوتة بين النقيضين.


تبلغ عدد صفحات هذا الكتيب 90 يضاف إليها 21 صورة تاريخية بعضها للمؤلفة وبعضها الآخر من مصادر مختلفة. الناشر هو البعثة التبشيرية البريطانية وسنة النشر 1920 للميلاد أما عن الكاتبة Edith Hutcheon فلم أنجح في الحصول على أي معلومات تستحق الذكر.


يجب التنويه أن هذا العمل مكتوب ليس فقط من وجهة نظرمسيحية تبشيرية وإنما أيضاً أوروبية وخصوصاً بريطانية واثقة من تفوق الغرب وحضارته وقيمه على الشرق عموماً والإسلام خصوصاً. يبقى هذا الغرب المنتصر مع ذلك مفتوناً بغموض هذا الشرق ومسلماً بأسبقيته الدينية ومكانته كمهد للديانات التوحيدية علاوة على عراقته التاريخية ويمكن هنا الإستشهاد بالمحترم Reverend J Kelman مؤلف كتاب "من دمشق إلى تدمر" الصادر عام 1908 إذ قال "تستطيع حجارة دمشق لو قدرت على الكلام أن تروي قصة العالم أكثر من أي مكان آخر". 

تقدم المؤلفة لمحة تاريخية وجيزة عن المدينة تركز على تراثها المسيحي وتؤكد نقلاً عن المستشرق Margoliouth 1858-1940 أنه عندما دخل المسلمون دمشق في القرن السابع للميلاد وجدوا أهلها متمسكين بديانة آبائهم (المسيحية) ولم يعتنق أياً منهم دين الإسلام باستثناء عائلة واحدة ليس إلا ومن ثم تتطرق إلى موضوعين عزيزين على قلوب الغربيين الأول إضطهاد المسيحيين في الشرق على مر العصور (وبالطبع في هذا على الأقل بعض من الصحة) والثاني المكانة المتدنية للمرأة في العالم الإسلامي وكيف لا يسمح لها بالمشاركة بصلاة الجماعة في الجامع الأموي وكيف تحرم من التعليم ولا يسمح لها أن تسفر عن وجهها وهلمجرا. 

الصورة الأولى لمصلين في الجامع الأموي والثانية لسيدات دمشقيات في زي الخروج أما الثالثة فلسبيل مياه في دمشق

تعكس أغلبية فصول الكتاب وضع دمشق قبيل الحرب العالمية الأولى أو الحرب العظمى إذ تقدر الكاتبة عدد سكانها بحوالي 400 ألف نسمة معظمهم من المسلمين وإن كانت "الأرض العذراء" فيما يتعلق بالرسالة المسيحية تبشر بحصاد واعد. عدد اليهود قدر بحوالي 10 آلاف و"مسيحيي الكنائس الشرقية" 20 الفاً وهناك بضع مئات من الدروز. 

لم تغفل الكاتبة التعليق على البيوت الدمشقية المتواضعة المظهر من الخارج بينما يرى الزائر داخلها منظراً أشبه ما يكون بألف ليلة وليلة ولكن ما شد انتباهها بالذات أطفال دمشق المتلهفين لتعلم الإنجيل الذي منعهم عنه أهلهم. اخترت بعض صور الأطفال وجميعها بالطبع تعود إلى مطلع القرن الماضي.


أطفال دمشقيون مسيحيون من صف الحضانة في مدرسة القديس بولس

الصورة العليا لمدرسة القديس بولس والسفلى لمدرسة فرانسيس بينتر في دمشق


اطفال دمشق يتعلمون الأبجدية


اطفال حي الميدان يقومون بكنس صحن مدرستهم

أما أن دمشق -شأنها شأن أي بلد في حالة حرب-  قد عانت خلال ما سمي وقتها بالسفر برلك فهذا لا جدال فيه ولكن مزاعم المؤلفة على الأغلب مبالغ فيها إلى أقصى الحدود إذ قالت أن 120 ألفاً من سكان المدينة ماتوا خلال عامين من المجاعة والحروب والوباء وتتباكى أن هذه المآسي جرت في أرض غنية وبالطبع قامت بإلقاء اللوم على الحكم العثماني وحلفائه الألمان وتخيلت عظام الشهداء من نساء وأطفال سوريا تستصرخ السماء وإنجلترا "حامية الضعفاء" والتي تحارب نيابة عن "الحضارة والإنسانية" أن تأتي لنجدة الدمشقيين المنكوبين. 

ما كان للجنرال Allenby أن يتقاعس عن تلبية نداء السوريين كما تصورته السيدة Hutcheon إذ نجح هذا القائد العبقري رغم محدودية إمكانياته -أو هكذا زعمت المؤلفة- بطرد الأتراك والألمان المكروهين من دمشق في خريف عام 1918 واستقبل أهل المدينة  الذين غمرهم الفرح إلى درجة النشوة  الجنود البريطانيين استقبال الأبطال وهرعت الوفود زرافات زرافات لتهنئة الغازي الإنجليزي والتسبيح بحمده والتنويه بمآثره ومناقبه.

تختم المؤلفة الشديدة التقى والورع كتابها بالقول أن هذا الإنجاز الذي حققه البريطانيون في ساحات الوغى قد نفض غبار العهود عن المدينة وفتح إمكانيات جديدة للمبشرين وتختم مستشهدة باقتباس شهيرعن المزمور 145 مكتوب باليونانية على الجدار الجنوبي للجامع الأموي وتحديداً على ساكف بوابة المعبد عندما كان كنيسة:

"ملكك أيها المسيح ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور".


No comments:

Post a Comment