Friday, April 21, 2017

مدن سلاطين مصر الثلاثة: القاهرة والقدس ودمشق

المؤلف هو المستشرق الإنجليزي David Samuel Margoliouth 1858-1940 والكتاب مجلد يبلغ عدد صفحاته 470 ونيف تزينه عشرات من اللوحات الملونة الرائعة للفنان Tyrwhitt وعام النشر 1907 للميلاد. أهدى الكاتب عمله لسمو الأميرة نازلي 1853-1913 حفيدة ابراهيم باشا قاهر الوهابيين وإبن محمد علي باشا الذي يعتبره الكثيرون باني مصر الحديثة. 


ثلثا صفحات الكتاب مخصص للقاهرة وليس في ذلك غرابة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن صعود العاصمة المصرية تزامن مع عهود الانحطاط العباسية وتراجع مكانة بغداد على رأس العالم الإسلامي. يرجع فضل التصدي للمغول بالدرجة الأولى لمصر والقاهرة التي أصبحت العاصمة الغربية للإسلام في عهد المماليك إلى أن انتقل مركز الثقل مجدداً إلى القسطنطينية في العهد العثماني.

تحتل المدينة موقعاً استراتيجياً على نهر النيل وقبل تفرعه إلى منطقة الدلتا ولكنها ليست أول عاصمة إسلامية في مصر إذ تعود الأسبقية إلى الفسطاط التي بنيت في القرن السابع للميلاد وتلتها القطائع في القرن التاسع وعهد إبن طولون. بالطبع لا يبعد هذان الموقعان -شأنهما في ذلك شأن ممفيس الفرعونية- عن قاهرة المعز لدين الله الفاطمي كثيراً ويعزى الفضل لهذا الأخير وعامله جوهر الصقلي في وضع حجر أساس المدينة العظيمة. 

للتبسيط يقسم Margoliouth تاريخ القاهرة إلى خمسة عهود: الفاطمي ثم الأيوبي ثم المملوكي ثم التركي (يقصد العثماني) وأخيراً "الخديوي" ويعتبر الخديوي إسماعيل 1830-1895 مؤسس عاصمة مصر الحديثة التي كانت لا تزال من الناحية النظرية والقانونية في أواخر القرن التاسع عشر جزأً من الإمبراطورية العثمانية وإن كانت في واقع الأمر محمية للإمبراطورية البريطانية.

احد شوارع القاهرة


الجزء الثاني في الكتاب وهو أصغرالثلاثة مخصص للقدس ويتعرض الكاتب بالطبع لسليمان وداود والهيكل التوراتي قبل أن ينتقل للعهود الإسلامية ومن ثم الصليبية وصولاً إلى العثمانية ويتطرق في الختام إلى تعريف سريع بالحركة الصهيونية والهجرة اليهودية فراراً من الإضطهاد الديني ويسمي هذه العملية "غزو أوروبي سلمي" bloodless invasion from Europe بالطبع الكتاب صدر قبل عشر سنوات من تصريح بلفور وقبل السفر برلك والانتداب البريطاني الذي تلاه.

الحرم الشريف

تحتل مدينة دمشق القسم الأخير من الكتاب ولا يبدوا أن الكاتب قد تأثر كثيراً بتغني اللرواة عبر العصور في محاسنها فهو يعزو وصفهم إلى التناقض الذي يشاهده الرحالة الشرقيون بين خضرتها ومياهها من جهة وبين الصحراء المجدبة المحيطة بها من جهة أخرى ومن المفهوم أن هكذا تناقض ليس كافياً لفتنة الأوروبيين -الشماليين الغربيين بالذات- المحاطين بالطبيعة الخصبة والأنهار الغزيرة من كل حدب وصوب منذ نعومة أظفارهم. 

بالنسبة لمعالم المدينة لم يجد الكاتب من الأبنية ما يشد انتباهه باستثناء الجامع الأموي الذي كان لا يزال في "طور النقاهة" إذا جاز هذا التعبير من حريق عام 1893 أما عن القلعة فقد لاحظ أنها مهيبة المنظلر عن بعد ولكنها متداعية من الداخل. تلى ذلك وصف مبتسر لأنهار المدينة ومعابدها ومدافنها وخاناتها وحماماتها قبل أن ينتقل إلى ما يمكن اعتباره بيت القصيد في هذا السرد أو ما أسماه "بمشاهد من تاريخ دمشق" وقد اختار من تاريخها الطويل أربعة أحداث.

بردى وسور دمشق

المشهد الأول يتعرض لدخول العرب المسلمين إلى المدينة عام 634 للميلاد بقيادة خالد إبن الوليد وأبو عبيدة إبن الجراح استناداً إلى الواقدي والطبري وكيف نهب جنود خالد وذبحوا عندما أخذوا المدينة عنوة من الشرق بينما أخذها أبو عبيدة سلماً من الغرب.

المشهد الثاني عن استيلاء هولاكو على المدينة عام 1260 وكيف منح المسيحيين فيها حمايته مما نجم عنه -حسب المؤرخين المسلمين- أنهم تجاسروا علع شرب الخمور علانية حتى في رمضان بل صبوها على ثياب المسلمين وأبواب مساجدهم وهلمجرا. أجبر المغول بعد هزيمتهم في عين جالوت على الإنسحاب من دمشق بعد احتلال دام سبعة أشهر وعندها صب مسلمو المدينة جام غضبهم على مسيحييها ونهبوا وقتلوا وطال انتقامهم أيضاً يهود دمشق. 

المشهد الثالث يحدثنا عن نهب وتدمير دمشق على يد تيمور الأعرج أو تيمورلنك عام 1400 و من المعروف أن الفيلسوف العظيم إبن خلدون كان أحد شهود عيان هذه المأساة.

المشهد الرابع وخاتمة الكتاب يفصل في مجزرة 1860 وهنا لا يتردد المؤلف في إلقاء المسؤولية كاملة على الوالي أحمد باشا والذي "لم يشهد تاريخ تركيا نذلاً أحقر وأخبث وأمكر منه". حسب إدعاء Margoliouth تسبب الوالي في المذبحة عمداً وعن سبق الإصرار عندما أصدر أمره بتوقيف ثلاثة من شباب المسلمين الذين أهانوا الصليب علانية ثم أمر بتكبيلهم بالقيود وسوقهم مخفورين إلى الحي المسيحي وبنفس الوقت أوعز لأزلامه بنشر الشائعات بين المسلمين أن الفتية سيصبحون عبيداً للمسيحيين عقاباً على إهانة الصليب. عندما سمع العوام ذلك تصاعدت الصيحات تطالب "بالدفاع عن دين محمد ضد النصارى الكفار" وجرى ما جرى. 

دور الأمير عبد القادر الجزائري في هذه المأساة معروف وتتفق كل الأطراف على أنه كان مشرفاً ونبيلاً ولكن الكلمات التي وضعها Margoliouth في فم بطل الشرق والغرب عندما جابه الحشود التي مسها السعار غريبة إن لم نقل أنها منافية للعقل "اذهبوا من هنا يا كلاب المسلمين ويا حثالة البشرية! أهكذا تعزون نبيكم وتنفذون تعاليمه يا أخس الكفار؟....اذهبوا وإلا ما أعدت سيفي إلى غمده قبل أن أشبعه من دمائكم....ستندمون عندما يأتي الإفرنج للانتقام من الأذى الذي ألحقتموه بهؤلاء المسيحيين وعندما يحولون جوامعكم إلى كنائس ويجعلونكم عبرة لمن اعتبر..."

لا داعي للدخول في مصداقية الكاتب الذي يتهمه كثيرون بالانحياز ضد الإسلام ولكن تجدر الإشارة أن مؤلفاته عن الإسلام ظلت لفترة طويلة المعيار (على الأقل حتى منتصف القرن العشرين) والمرجع الأساسي في هذا الصدد لدى الغربيين وأنه كان ضليعاً بعدة لغات: العربية والعبرية والسريانية والفارسية والتركية والأرمنية.  لا يحتاج القارىْ أن يوافق على آراء المؤلف كي يستمتع بالصور والنص كوجهة نظر عند اللزوم ليس إلا.



الرابط الملحق لمن يريد قراءة النص الكامل من قلم الكاتب.

https://books.google.com/books?id=UgFLAQAAIAAJ&printsec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false

No comments:

Post a Comment