المؤلّف Wayne T. Pitard حائزٌ على دكتوراه من جامعة هارڤارد، وكان أستاذاً للدراسات الدينيّة في جامعة Illinois لدى صدور الكتاب عام ١٩٨٧. ركّز البحثُ على المصادر الكتابيّة عن دمشق حتّى سقوطها بيد الآشورييّن في القرن الثامن قبل الميلاد. هذه المصادر، كما سنرى، محدودةٌ للغاية.
يبدأ پتارد بتعريف جغرافي لدمشق والمنطقة المحيطة بها. التنقيب تحت المدينة الحاليّة شديد الصعوبة وباهظ الكلفة، ومنه لجوء علماء الآثار إلى سبر التلال الاصطناعيّة المحيطة بها كتلّ الصالحية، وتلّ أسود، وغيرها؛ في محاولةٍ منهم لرسم الخطوط العريضة لملامح دمشق عن طريق استقراء معطيات هذه التلال، ومقارنتها وإسقاطِها على المدينة في حدود الإمكان.
فيما يتعلق بالمدينة القديمة نفسها، لاحظ المستشرقان الألمانيّان Watzinger وWulzinger، وجود تلّ اصطناعي قرب مركزها، حوالي ٢٠٠ متر جنوب الجامع الأموي. قام هذا التلّ فوق أنقاض قصر الملك أنطيوخوس التاسع (١١٦ - ٩٦ قبل الميلاد) حسب Sauvaget؛ أضاف هذا الأخير أنّ هذا المكان يوافق "البريص"، وأنّ القصر الهلنستي حلّ محلّ آخر فارسي قَبْلَهُ، والذي بُنِيَ بدورِهِ على بقايا قصور الملوك الآرامييّن.
المصادر الرئيسة للكتاب ثلاثة: مصريّة، وآشوريّة، وكتاب العهد القديم. هذه المصادر، بطبيعة الحال، محدودةٌ ومتقطّعة، وأحياناً متناقضة. عُرِفَت المنطقة المحيطة بدمشق في الألف الثاني قبل الميلاد باسم Apu أو Apum . تحوّلت التسمية في الألف الأوّل إلى آرام. يعود اهتمام الكثير من المؤلّفات السابقة عن مدينة دمشق، إلى المكان البارز لها في الكتب المقدّسة، اليهوديّة منها والمسيحيّة، ومن هنا الخلط بين التاريخ الموثّق وسير الرواة. بذلَ پتارد جهدَهُ في محاولةٍ للتفريق بين الإثنين، وعلى الرغم من ذلك، اضطرّ في عدّة مواضع إلى الاعتماد على نصوص الكتاب المقدّس، ومقارنتها مع سائر المصادرالمتوافرة، التي لم تخل بدورِها من المبالغات والمغالطات. تجدر هنا الإشارة أنّ Pettinato نوّه بذكر دمشق في لوحات إبلا (تلّ مرديخ)، من الألف الثالث قبل الميلاد، بيد أنّ هذه اللوحات لم تكن معروفةً لدى نشر كتاب پتارد.
ظهرت دمشق للمرّة الأولى بهذا الاسم على مسرح التاريخ، في لائحة المدن التي غزاها الفرعون تحوتمس الثالث (١٤٧٩ - ١٤٢٥ قبل الميلاد)، ودُوّنَت على جدران معبد الكرنك في الأقصر، بعد أن هزم هذا الملك ائتلافاً آسيوياً في معركة مجدو عام ١٤٥٧. الظهور الثاني كان في عهد أمنحتب الثالث (١٣٩١ - ١٣٥٣)، في مدفنٍ ومعبدٍ له في طيبة، كإحدى المدن ضمن منطقة نفوذ مصر. هناك أيضاً ذكرٌ للمدينة في بعض رسائل العمارنة. علاوةً على ما سبق اكتُشِفَت رسالةٌ من أحد الفراعنة خلال حفريّات جنوب وادي البقاع في لبنان عام ١٩٦٩ للميلاد، يأمر فيها العاهل المصري ملك دمشق زلايا أن يرسل عدداً من الناس إلى مصر بهدف توطينهم في النوبة.
باختصار كانت دمشق محدودة الأهميّة في الألف الثاني قبل الميلاد وعصر البرونز، وكلّ ما نعرفه عنها لا يتجاوز وجودَها ككيانٍ على رأسِهِ "ملك"، وأنّ ولائَها كان لمصر، وأنّها كانت حقلاً للصراع بين الإمبراطوريّات المجاورة كالمصريّة والحثيّة.
مرّت فترةٌ انتقاليّةٌ طويلةُ نسبيّاً قبل بزوغ دمشق مجدّداً مع الآرامييّن في عهد الملك داود (حوالي العام ١٠٠٠ قبل الميلاد). لا يوجد هنا مصادر باستثناء الكتاب المقدّس، وتحديداً أسفار الملوك وأخبار الأّيام. استولى داود على المدينة - إذا قبلنا رواية العهد القديم - إلى أن تمرّدت في عهد سليمان؛ الانطباع هنا أنّ إسرائيل قويّة مقارنةً مع آرام الضعيفة. تغيّر هذا الوضع بعد موت سليمان وبدأ صعود المملكة الآراميّة، إلى أن أصبحت عاصمة أقوى دول غرب سوريّا في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد. هنا تتقاطع المصادر الدينيّة مع الكتابات الآشوريّة مع التحفّظ أن كافّة هذه المصادر دون استثناء خارجيّة.
شهد القرن التاسع حملاتٍ آشوريّةً متكرّرة ضدّ سوريّا، تصدّى لها ائتلافُ دويلاتٍ عديدةٍ أهمُّها دمشق (آرام دمشق)، وحماة، وإسرائيل؛ بيد أن هذا الحلف تفكّك بالنتيجة، وتدهورت العلاقة بين دمشق وملكها حزائيل من جهة، وإسرائيل من جهةٍ ثانية؛ أضف إلى ذاك المصالحة بين حماة وآشور، ممّا اضطرّ دمشق إلى مجابهة الآشورييّن وشلمنصر الثالث (٨٥٨ - ٨٢٣) وحيدةً، وبالفعل قام هذا الأخير في إحدى حملاتِهِ بتطويق المدينة وقطع الأشجار المحيطة بها. شنّ شلمنصر الثالث آخر حملاتِهِ على دمشق عام ٨٣٧. شهد عهد حزائيل (٨٤٢ - ٧٩٦)، على الرغم من التهديد الآشوري، أوج قوّة آرام دمشق وتوسّعها على حساب إسرائيل، التي أصبحت تابعةً لها.
نجح أداد نيراري الثالث (٨١٠ - ٧٨٣) بفرض الجزية على دمشق عام ٧٩٦، واستمرّ الآشوريّون بالضغط باتّجاه الغرب. حاولت دمشق التصدّي لهم بمشاركة إسرائيل، بينما مالت يهوذا للتعاون مع غزاة المشرق. نصّت النصوص الآشوريّة على سقوط المدينة على يد تغلات فلاصر الثالث عام ٧٣٢ قبل الميلاد.
Dr. Pitard's work attempts to fill a sorely missing gap in the history of a city often described as the oldest continuously inhabited capital on earth. The available sources are a mixture of epigraphic evidence (mostly Assyrian and Egyptian) and tradition (Old Testament). Despite a rather heavy utilization of the biblical narrative the picture remains incomplete and the continuity sketchy at best. Those shortcomings are no surprise: a thorough archaeological study of the Old City has yet to be initiated but meanwhile this book should serve as a brief review for those interested.
ReplyDelete