Monday, May 17, 2021

تقسيم كاتدرائيّة القدّيس يوحنّا في الروايات التاريخيّة


لدينا أكثر من مصدر لقصّة "مسجد الصحابة" في دمشق وكيف تشارك المسلمون والمسيحيّون في كنيسة يوحنّا المعمدان (أو المعبد الروماني كما رجّح Creswell) فأخذ المسلمون القسم الشرقي والمسيحيّون الغربي بعيد الفتح العربي إلى أن ضمّ الوليد القسم الغربي ليبني جامع بني أميّة الكبير في مطلع القرن الثامن. 


المصدر الأوّل هو كتابات المؤرّخين وأكثرها تداولاً سرد الحافظ ابن عساكر (١١٠٥-١١٧٥ للميلاد). يثق الكثيرون في وصف ابن عساكر فهو دمشقي يعرف مدينته جيّداً بدلالة الوصف الطبوغرافي الذي تركه لنا وما هذا الوصف إلّا غيض من فيض مقارنة بتاريخه الضخم الذي اعتمد منهج التراجم. 


المشكلة في عمل ابن عساكر أنّه - شأنه في ذلك شأن جميع المحدّثين وقتها - ركّز على الكمّ وليس النوع وحرص على ذكر جميع مصادره مع إسنادها (أي "عن فلان عن فلان عن فلان أنّ فلاناً قال"...) دون محاولة جدّيّة لفرز ما وصله أو التوفيق بين الروايات المتناقضة أو تحليلها. تتلخّص طريقته في معالجة كل حديث على حدة دون أخذ الصورة الكبيرة بعين الاعتبار. ليس هذا بالطبع للتقليل من أهميّة عمله ومن غير المنطقيّ أن نحكم عليه بالمعايير المدرسيّة الحديثة.  الهدف بكل بساطة هو وضع الأمور في سياقها عوضاً عن التسليم بروايته كنصّ مقدّس لا ريب في مصداقيّته. 


اعتبر المستشرق البلجيكي Henri Lammens الفصل المتعلّق بهدم كنيسة يوحنّا وضمّها للجامع من أكثر الفصول تشويشاً في ابن عساكر الذي اقتصر ما كتبه عن اقتسام الكنيسة بين المسلمين والمسيحييّن على العبارة الآتية: 


 "كان في موضع مسجد دمشق كنيسة من كنائس العجم فكان المسلمون بصلّون في ناحية منها والنصارى في ناحية منها فلم يزالوا كذلك منذ فتحت حتّى ولّي الوليد بن عبد الملك". 


أي أنّ ابن عساكر لم يحدّد "الناحية" المخصّصة للمسلمين ولا تلك التي تركت للنصارى وهنا يأتي دور ابن جبير الأندلسي الذي زار دمشق عام ١١٨٤ أي بعد عقد من الزمن من موت ابن عساكر وبالتالي فأغلب الظنّ أنّه أخذ عنه ولكنّه لم يكتف بذلك بل أضاف بعض الأفاويه والتوابل من عنده ألا وهي تخصيص القسم الغربي من الكنيسة للمسيحييّن والشرقي للمسلمين + أنّ الفاتحين العرب لدى دخولهم دمشق من الغرب والشرق في منتصف العقد الرابع من القرن السابع للميلاد تلاقوا في منتصف الكنيسة! بعبارة ثانية كلّما ابتعدنا عن الحدث التاريخي قيد الحديث كلّما زادت الدقّة والتفاصيل... 


إذاً أخذ ابن جبير عن ابن عساكر وأضاف إليه وأتى ابن بطوطة (١٣٠٤-١٣٧٧) بعد أكثر من مائة عام من زيارة ابن جبير لينقل عنه وهكذا دواليك. 





تساءل بعض المستشرقين عن السبب الذي دعا المسيحييّن الذين يقطنون شرق المدينة لأخذ القسم الغربي من الكنيسة وليس العكس ولكن Lammens ارتأى الموضوع بكل بساطة عائداً لكون دمشق - بأحيائها الغربيّة والشرقيّة - مدينة مسيحيّة في أغلبيّتها الساحقة لدى دخول العرب وليس هناك ما يدعوا للاعتقاد أنّ أولويّة الفاتحين كانت استيطان المدينة بالجملة. 


هذا عن كتابات المؤرّخين ولكنّها ليست أقدم المعلومات المتوافرة عن تاريخ الأموي في المصادر الإسلاميّة كما سنرى (ودون العودة إلى Arculfe وما كتبه في هذا الخصوص باللاتينيّة في القرن السابع للميلاد). سنرجع بعقارب الساعة في اتّجاه عكسيّ من الأحدث إلى الأقدم في الأيّام المقبلة. 


التقطت الصورة الملحقة عن Herzfeld في العقد الأوّل أو الثاني للقرن العشرين وهي لباب الجامع الغربي. المخطّط عن Degeorge





معبد دمشق من كنيسة يوحنّا المعمدان إلى جامع بني أميّة الكبير


مسجد الصحابة: حقيقة أم أسطورة؟ 


يحيى بن زكريّا







Ernst HerzfeldGreat Mosque, Western Facade: View of Bronze Door



Gérard Degeorge. Damas, répertoire iconographique. L'Harmattan 2001


 

No comments:

Post a Comment