سبق التعرّض إلى النوائب التي أصابت جامع دمشق الأموي عبر تاريخه الطويل. من هذه الكوارث ما أتى على الجامع أو كاد وتطلّب بنائه مجدّداً (كما في حريق ١٨٩٣) ومنها ما اقتصر على بعض مكوّناته وأخصّ بالذكر اليوم قبّة النسر.
تعود القبّة االحاليّة إلى الترميم بعد حريق ١٨٩٣ ورأينا كيف توصّل Spiers إلى نتيجةٍ مفادها أنّ القبّة الحاليّة هي الرابعة. نأتي اليوم إلى وصف القباب المختلفة في المصادر التاريخيّة المتوافرة وهي من الأقدم إلى الأحدث:
١. قبّة الوليد الأمويّة الأصليّة:
أقدم وصفٍ لها في قصيدة النابغة الشيباني المعاصر لبنائها:
"وقبّة لا تكاد الطير تبلغها أعلى محاريبها بالساج مسقوفُ"
أصاب زلزالٌ دمشق في أواخر العام ٨٤٧ للميلاد جاء في وصف ابن الجوزي (وفيّات ١٢٠٠) له ما يلي:
"وسقط بعض شرافات المسجد الجامع، وتصدّعت طاقات القبّة التي في وسط الجامع مما يلي المحراب، وانقطع ربع منارة الجامع".
كتب ابن الجوزي بعد ثلاثمائة عام من الزلزال أوّلاً، ووصفه لا يعني بالضرورة أنّ القبّة انهارت ثانياً. من الممكن إذاً أنّ ما رآه المقدسي (وفيّات ٩٩٠) هو قبّة الوليد التي قال عنها ما يلي:
"وعلى رأس القبّة ترنجة فوقها رمّانة كلاهما ذهب".
٢. القبّة الثانية سلجوقيّة بُنيت بعد حريق ١٠٦٩ بدلالة نقش ملكشاه الكتابي.
وصفها ابن جبير الأندلسي عام ١١٨٤ بالتفصيل كما يلي:
"ومن أعظم ما شاهدناه من مناظر الدنيا الغريبة الشأن، وهياكلها الهائلة البنيان، المعجزة الصنعة والاتقان، المعترف لوصفها بالتقصير لسان كل بيان: الصعود الى أعلى قبّة الرصاص المذكورة في هذا التقييد، القائمة وسط الجامع المكرّم، والدخول في جوفها، وإحالة لحظ الاعتبار في بديع وضعها، مع القبّة التي في وسطها كأنّها كرةٌ مجوّفةٌ داخلةٌ وسطَ كرةٍ أُخرى أعظم منها؛ صعدنا إليه ............ حتّى انتهينا الى القبّة المذكورة، فصعدنا إليها على سلّمٍ منصوب، وريح الميد تكاد تطير بنا، فحبونا في الممشى المطيف بها، وهو من رصاص، وسعته ستّة اشبار، فلم نستطع القيام عليه لهول الموقف فيه، فأسرعنا الولوج في جوف القبة على أحد شراجيبها المفتّحة في الرصاص، فأبصرنا مرأى تحار فيه العقول، وتقف دون إدراك هيبة وصفه الأفهام، وجلنا في فرش من الخشب العظام حول القبّة الصغيرة الداخلة في جوف القبّة الرصاصية على الصفة التي ذكرناها، ولها طيقان يبصر منها الجامع ومن فيه، فكنّا نبصر الرجال فيه كأنهم الصبيان في المحاضر". إلى آخر الوصف.
٣. القبّة الثالثة مملوكيّة شُيِّدَت بعد استباحة تيمورلنك المدينة عام ١٤٠١:
أثار العقيلي الشكّ (ص ١٥١ من الطبعة الثانية) في أنّ حريق تيمورلنك أتى على القبّة السلجوقيّة السابقة. في كلّ الأحوال ظهرت القبّة (سواءً سلّمنا أنّها مملوكيّة وأنّ ألسنة اللهب التي أضرمها التتار التهمت القبّة السلجوقيّة أم لا) للعيان للمرّة الأولى في لوحةٍ إيطاليّة تعود إلى العام ١٥١١ حيث نرى الطاسة مرتكزة على رقبتين خلافاً لعدّة صور التُقِطَت في القرن التاسع عشر. لا يفسّر تعليق العقيلي (ص ١٤٣ - ١٥٠) على القبّة الظاهرة في اللوحة المذكورة وجود الرقبتين ولكنّه يلفت النظر إلى ثلاث حلقات مخصّصة لكتابات قرآنيّة تحت الطاسة ومن الممكن إرجاع الفرق في شكل القبّة مقارنةً مع أوّل صورة ضوئيّة معروفة بعدسة de Prangey (عام ١٨٤٣) إلى خيال الفنّان أو إعادة بناء القبّة بعد حريق ١٤٧٩ أو زلزال ١٧٥٨.
Joseph-Philibert Girault de Prangey |
٤. القبّة العثمانيّة الأولى:
إذا سلّمنا أنّ الفرق بين اللوحة الإيطاليّة والصور بين ١٨٤٣ و ١٨٩٣ حقيقي فهذا يعني قبول عدد أكبر من "قباب النسر" ممّا اقترحه Spiers بما فيها قبّتين عثمانيّتين على الأقلّ (كتب Spiers قبل أن يتعرّف Sauvaget على دمشق والجامع الأموي في اللوحة التي ألحقتها بالمنشور) إحداهما قبل والثانية بعد حريق ١٨٩٣.
٥. القبّة العثمانيّة الثانية (الحاليّة):
بُنيَت بعد حريق ١٨٩٣ على طراز مخالف. وصف Sauvaget شكل هذه القبّة "يالسخيف" ridicule وهي لا تزال قائمةً إلى اليوم.
Alain George. The Umayyad Mosque of Damascus. Art, Faith and Empire in Early Islam. Gingko, 2021
No comments:
Post a Comment