أقوم في الأسطر التالية، قبل استئناف البحث في أمر قبّة الخزنة نقلاً عن الدكتور آلان جورج، بتعريب الصفحة رقم ١٢٠ من كتاب "وصف الشرق" لمؤلفه الرحّالة والكاتب الأسقف الإنجليزي Richard Pococke صاحب أقدم مخطّط معروف للجامع الأموي. الشمال أسفل الخريطة والجنوب أعلاها، عكس الخرائط التي اعتدنا عليها. سأنقل النصّ كما هو وأعلّق على أخطاء (وليس آراء) المؤلّف في الحواشي. أدرجت النصّ الإنجليزي في منشور مستقّل دون أي تعديل باستثناء تحويل أحد الأحرف إلى الأبجديّة اللاتينيّة المعاصرة.
يوجد الكثير من المساجد في دمشق بعضها كان كنائساً وخصوصاً الجامع الكبير الذي كان كاتدرائيّةً في الماضي. هذا البناء مع الشوارع والمشيّدات الملحقة به من أجمل ما أبدعته حميّة المسيحييّن الأوائل. تنمّ العمارة القورنثيّة الطراز والمتقنة التنفيذ أنّ الصرح أُنْجِز قبل انحطاط وتلاشي الفنّ القديم. لنستعرض المخطّط الملحق:
الكاتدرائيّة A تحديداً (١) بنيةٌ شديدة التميّز مستطيلة الشكل تحتوي على ثلاثة صفوف من الأعمدة في منتصفِها قبّةٌ (٢) تواجد تحتها على الأرجح المذبح altar المرتفع. هناك باحةٌ كبيرة محاطة بالأروقة من ثلاثة جوانب إلى الغرب من الكنيسة (٣). هذه الأروقة مكوّنة من عضائد pillars غرانيتيّة. واجهة الكنيسة على الباحة مشكّلة من عقود arches محمولة على عضائد من الحجر الأخضر verd antique ونرى بين هذه العقود أبواباً مصرّعةً بالإمكان فتحُها حسب الرغبة. يستطيع الناس في الباحة والأروقة حولها أن يروا الكاهن خلال إحياء الشعائر المقدّسة من خلال هذه الأبواب عندما تُفْتَح. يعلو هذه العقود عددٌ من النوافذ المزدوجة وهناك أيصاً رواقٌ خارج الباحة والكنيسة لم يبق منه إلّا القليل وبهو gallery فوق هذا الرواق مزدوج العقود المرتكزة على عضائد صغيرة. يوجد ثلاثة مداخل إلى الباحة وثلاثةٌ إلى الكنيسة. كانت كافّة جدران الكنيسة والأروقة المطلّة على الباحة مكسوّة بزخارف من الفسيفساء بقي منها الشيء الكثير. هناك طريق كبيرة مكوّنة من عدّة درجات وصاعدة إلى الباحة في الشمال لدى النقطة O (٤) مع بقايا رواق معمّد colonnade جميل أمام المدخل. هناك رواقٌ مماثلٌ في الجنوب حالته أفضل (٥). نرى إلى الشمال نافورة رائعة في النقطة P (٦) ينجبس منها الماء بغزارة. في D بيت معموديّة مثمّن يرتكز على ثمانِ عضائد (٧). هناك بناء مثمّن آخر يرتكز بدوره على عضائد في C (٨). نرى في E عضادتين تعلّق عليهما الإنارة.
تواجدت على الأرجح مبانٍ طوّقت الكنيسة وأُلْحِقَت بها فصلتها عدّةُ شوارعٍ أدّت إلى الكنيسة. أعتقد أنّ هذه الشوارع كانت محفوفةً باثني عشر عموداً شكّلت رواقاً على كلٍّ من جوانبها وأبهاءً ملحقةً تشبه الموجودة حول الصحن. لا تزال العضائد قائمةً في أحد هذه الشوارع ومن غير المستبعد أنّ هذه الأروقة أحاطت بكل مبنى من مباني المجمّع بدلالة وجود عضائد ضخمة قطر الواحد منها ثلاثة أقدام (حوالي تسعة أعشار المتر) على دائر الموقع وخارج الحرم. قطر عضائد الأروقة قرابة القدمين (ستّة أعشار المتر). العضائد الضخمة مشغولة من الرخام الخشن باستثناء بعض العضائد الاستثنائيّة الضخامة المشغولة من الغرانيت (٩). أحد هذه المباني I هو قصر البطريرك وآخر K مدرسة لاهوتيّة. ربّما كان هناك خمسة مجموعات من الأبنية وعلّ أحدها L كان لكهنة canons الكنيسة وآخر M للخوارنة priests وخامس للشمامسة وسادس N للمستخدمين الأدنى رتبةً. كافّة هذه الأبنية كانت مطوّقةً بجدار (١٠) ولربّما دار رواقُ على هذا الحجار من الداخل كما في حال الرواق حول باحة الحرم. أستند في هذا الرأي إلى مشاهدتي لعددٍ من أطر الأبواب الرائعة التنفيذ على مسافاتٍ منتظمة في المدينة علاوةً على عدّة عضائد ألهمتني تصميم هذا المخطّط.
يدعو الأتراك (١١) هذا البناء جامع يوحنّا المعمدان أمّا المسيحيّون فيدّعون نسبتَهُ إلى يوحنّا الدمشقي الذي يرقد فيه ويذكرون بعض المعجزات التي حصلت لدى محاولة نقل رفاتِهِ منه.
انتهى الاقتباس عن Pococke. فلنركّز على أهمّ معطياته:
- المخطّط على علّاته وثيقة تاريخيّة تعيّن الانتظار إلى القرن التاسع عشر للحصول على أفضل منها.
- النصّ على أخطائه العديدة استثنائي في دقّته بين الأدبيّات الاستشراقيّة في عهدٍ كان دخول الجامع فيه محرّماً على غير المسلمين.
- في هذا النصّ الذكر الأوّل لقبّة الخزنة تحت اسم "بيت المعموديّة" baptistry. هل كانت كذلك فعلاً؟
للحديث بقيّة.
(١) حرم الصلاة.
(٢) قبّة النسر.
(٣) يقع صحن الأموي شمال المصلّى وليس غربه.
(٤) النقطة O في الشرق خارج باب جيرون وليست في الشمال.
(٥) الكلام عن الرواق البيزنطي غرب (وليس جنوب) الجامع وباب البريد.
(٦) النوفرة الشهيرة. مرّة ثانية الموقع في الشرق وليس الشمال.
(٧) قبّة الخزنة. يخلط المؤلّف بين عضادة pillar وعمود column في أكثر من مكان.
(٨) قبّة الساعات.
(٩) لربّما كان الكلام عن بوّابة هيكل المشتري الخارجيّة الغربيّة.
(١٠) الكلام عن الأبنية في الفضاء بين السورين.
(١١) المقصود بالأتراك المسلمين.
No comments:
Post a Comment