كتب Torrey (صفحة ١٣٣ من المرجع الثاني أدناه) عن وَلَع حسني الزعيم بمقارنةِ نَفْسِهِ بأتاتورك وناپوليون وكيف أثارت عنايته المبالغ بها في أناقته وانتقاء بزّته حفيظةَ الشعب السوري الذي اطّلع عليها من جريدة ألف باء ورئيس تحريرها آنذاك نذير فنصه (عديل الزعيم) مضيفاً أنّ صلف الزعيم وخيلائه تناسبا طرداً مع كثرة ثيابه وتنوّعها. نقل نفس المصدر أنّ الرئيس السوري أوصى على عصا ماريشاليّة بقيمة خمسة آلاف دولار، مبلغ كبير بمقاييس سوريّا عام ١٩٤٩.
تتّفقُ رواية Seale في الجوهر مع Torrey وتختلف بالتفاصيل (صفحة ٦١): بَلَغَ ثمنُ العصا المخمليّة المذهّبة حسب الصحافي البريطاني ثلاثة آلاف دولار. أضاف Seale أنّ الزعيم كان يحلو له التبختر أمام المرايا في مقرّ إقامتِهِ وأنّ البعضَ سَمِعَه يخاطب قرينَتَه: "يوماً ما ستصبحين ملكةً".
قلائلٌ هم المحامون عن الزعيم وعلّ نذير فَنصه أفضلهم - إن لم يكن الوحيد - في كتاب "أيّام حسني الزعيم" الصادر عام ١٩٨٢ وإن عَجِز عن تبرير تسليم أنطون سعادة لجلّاديه في لبنان وبالتالي وَجَدَ نَفْسَهُ مُكْرَهاً على إدانة خيانة نَسيبِهِ لأبسط قواعد الضيافة واللجوء السياسي دون تحفّظ (الصفحات ٧٦ - ٨٢).
باستثناء هذا التصرّف المشين (*)، لم يجد فنصه صعوبةً في الدفاع عن سائر "مآثر" الزعيم ومنها عصا المشيريّة التي كتب في صَدَدِها (صفحة ١٠٠ - ١٠١) ما يلي:
"بعد سقوط حسني الزعيم ومَقْتَلِهِ سلّم وزير الداخليّة السوري إلى مجلس الوزراء عصا الماريشاليّة المرصّعة التي كان يحملها الزعيم واشتهر بها في صوره الصحافيّة وأودِعَت العصا أوّلاً صندوق الدولة ريثما يبتّ في أمرها وبعد حين وُضِعَت في المتحف الحربي في دمشق لفترةٍ طويلةٍ ثمّ رُفِعَت منه.
والحقيقة أنّ هذه العصا ليست مرصّعة وليست تلك التحفة المكنونة، وقد اشتراها المقدّم عزيز عبد الكريم عندما كنّا معاً في فرنسا نفاوض الفرنسييّن على صفقة سلاح لسوريّا وكنّا معاً عندما اشتريناها من أحد المحلّات العاديّة لبيع الأوسمة ودفعنا ثمنها ٥٠٠ فرنك فرنسي، والأحجار التي فيها لا قيمة لها، والمعدن الذي عليها يشبه معدن الأوسمة بصورةٍ برّاقة تعطيه لمعاناً خاطفاً أكثر بكثير من ثمنهِ الأصلي".
إذاً كلفة العصا حسب فنصه خمسمائة فرنك فرنسي قديم (أقلّ من دولار ونصف على اعتبار أنّ قيمة الدولار وقتها ٣٥٠ فرنك فرنسي) أمّا Torrey فقد قدّر الكلفة بخمسة آلاف دولار و Seale بثلاثة آلاف. بلغ السعر الرسمي للدولار عام ١٩٤٨على السوري ٢٢٠ قرشاً أي أقلّ من ليرتين وربع.
الصورة الأولى لعصا المشيريّة في حافِظَتِها كما عَرَضَها المتحف الحربي في عهد الوحدة أمّا الثانية فيتوسّطها حسني الزعيم ممسكاً "بالبسطون" الشهير وأترك تقدير قيمته الحقيقيّة لمن هو أعلم منّي بهِ وبتاريخِهِ.
(*) يمكن اعتبار توقيع الهدنة في العشرين من تمّوز يوليو ١٩٤٩ من أهمّ ما فَعَلَه الزعيم خلال فترة حكمه القصيرة وإن كان تقييم هذا الإنجاز مثيراً للجدل. هاجمت وحدات من الجيش السوري بقيادة توفيق بشّور مستوطنة مشمار هايردن أكثر من مرّة في السادس من حزيران يونيو عام ١٩٤٨ وبالنتيجة نجح السوريّون في الاحتفاظ بها بعد الجهد الجهيد إلى أن تخلّى عنها الزعيم باتّفاقيّة الهدنة المذكورة.
Gordon H. Torrey. Syrian Politics and the Military 1945-1958. Ohio State University Press, 1964.
No comments:
Post a Comment