Wednesday, November 17, 2021

أسطورة لورانس


تضافرت عدّة عوامل في رفع الإستخباراتي البريطاني Thomas Edward Lawrence (١٨٨٨ - ١٩٣٥) إلى مصاف أبطال الملاحم لربّما كان أقلّها أهميّة الدور العسكري الثانوي الذي لعبه على مسرح ثانويّ للحرب العالميّة الأولى. لورانس نفسه وصف ما أطلق عليه لاحقاً اسم الثورة العربيّة الكبرى sideshow of a sideshow وأقرّ أنّ الدور الرئيس في المجهود الحربي الإنجليزي ضدّ العثمانييّن كان للجنرال Edmund Allenby. مع ذلك لورانس اليوم أشهر من آلنبي شرقاً وغرباً فكيف كان ذلك؟


أسهمت كتابات لورانس "عصيان في الصحراء" ومن ثمّ "أعمدة الحكمة السبعة" في بناء مجده أكثر ممّا فعلت مواهبه العسكريّة. لاشكّ أنّ الرجل كان أديباً موهوباً حادّ القريحة في وقت تعطّشت فيه الجماهير الأوروبيّة لانتصار روائيّ يحمل عبق الشرق بعد أن بلغت معنويّاتها الحضيض في مجازر حرب الخنادق على الجبهة الغربيّة التي أكلت مئات الألوف من شبابها. 


العامل الثاني - ولربّما الأهمّ - فيلم Lawrence of Arabia انتاج عام ١٩٦٢ حيث لعب دور البطولة (لورانس) الممثّل Peter O'Toole وعمر الشريف دوراً ثانويّاً. 



كرّس الكتاب والفيلم إذاً أسطورة لورانس وكان لأدبيّات الشبيبة أيضاً دورها كما في رواية Fred Funcken المصوّرة في العدد الأربعين من مجلّة tintin البلجيكيّة لعام ١٩٥٨ (الأوّل من تشرين الأوّل). القصة بالطبع مبسّطة و"مفلفلة" ولكن فلنحاول متابعة بعض ما جاء فيها. 


نبدأ بإعلان أحد الضبّاط عن تمرّد في "فلسطين" ضدّ الأتراك. علّق أحدهم (الجالس على الكرسي ممسكاً غليونه) أنّ الموضوع لا يستحقّ الاهتمام بيد أنّ لورنس أجابه أنّ على انجلترا أن تغتنم الفرصة "لتحرير العرب الواقعين تحت الاضطهاد التركي لمدّة خمسة قرون". ردّ أحدهم أنّه لا خير يرتجى من "مجموعة من الهمج لا تنظيم لهم ولا قائد". كانت الخطوة التالية أن يصبح لورانس قائداً لهؤلاء "الهمج" وتولّت إنجلترا بالطبع مهمّة تمويلهم وتسليحهم. 



تمّت الخطوة التالية عندما التقى لورانس - الملمّ بالعربيّة - الأمير فيصل بن الحسين. اشترط هذا الأخير ثمناً لتعاونه أن يملك وإخوته البلاد العربيّة بعد طرد الأتراك وتعهّد له لورانس بتحقيق هذ الهدف وعرض - كرماً منه -أ ن يصبح صديقاً ومستشاراً للأمير. لا داعي للتذكير أنّ الحلّ والربط لم يكونا من صلاحيات لورانس وأنّ المفاوضات البريطانيّة - العربيّة كانت في كلّ الأحوال مع شريف مكّة حسين وليس فيصل على الأقلّ في تلك المرحلة. 



قصّة الثورة/التمرّد معروفة من العديد من المصادر ولا مجال لتكرارها هنا. أمّا عن لورانس فقد خاب أمله بعد نهاية الحرب عندما وزّعت أنجلترا الممالك والإمارات على أبناء الشريف حسين (العراق والحجاز وشرق الأردنّ) عوضاً عن "وحدة العالم العربي" لتي كان يحلم بها. هنا تجدر الإشارة أنّ لورانس أبدى في كتاباته فعلاً اعتقاده أنّ بلاده لم تكن صريحة مع العرب ولكنّه بالمقابل اعتقد أنّ تسوية Winston Churchill في مطلع العشرينات (أي خلق إمارة شرق الأردنّ والعراق إلى آخره) كانت عادلة وإن جاءت متأخّرة. كان لورانس من المعجبين بتشرشل الذي كان آنذاك وزيراً للمستعمرات. 



وصل الأمر بلورانس إلى رفض الأوسمة التي أراد الملك جورج الخامس أن يخلعها عليه والسبب عدم التزام حكومته بالتعهّدات التي أعطاها للعرب نيابةً عنها. هذه الرواية صحيحة مع التحفّظ أنّ وعود الإنجليز كانت للهاشمييّن وليس للعرب (وبالتأكيد ليس للسورييّن). كان لورانس معجباً بفيصل (وفقط فيصل من بين الهاشمييّن) ولا مبرّر للتشكيك أنّه أراد فعلاً أن يراه ملكاً على سوريّا من دمشق أمّا بالنسبة للحكومة البريطانيّة فمن البدهي أنّ التفاهم مع فرنسا كان أهمّ بكثير بالنسبة لها من إرضاء هذا الأمير العربي أو ذاك. 



قضى لورانس نحبه في حادث درّاجة ناريّة وترك وراءه إرثاً أدبيّاً وتاريخيّاً لا يستهان به وتبقى كتاباته شاهداً حيّاً على قناعاته وفكره.     


    

No comments:

Post a Comment