Friday, November 26, 2021

غوردون باشا في الخرطوم

 


درس العديد من شبيبة سوريّا (وكنت من جملتهم) تاريخ "الوطن العربي" ونضاله دائماً وأبداً ضدّ "الاستعمار". أذكر في جملة ما لقّن إلينا ملحمة الثورة السودانيّة ضدّ البريطانييّن عندما هبّ المهدي (محمّد أحمد بن عبد الله ١٨٤٣ - ١٨٨٥) وانتصر على الإنكليز ويمكن لمن يريد شحذ ذاكرته قراءة المقال عنه وعن مآثره في الويكيبيديا العربيّة. كيف تعلّم أطفال أوروبّا هذا التاريخ؟ لنستعرض باختصار القصّة المصوّرة كما قدّمها الفنّانان البلجيكيّان المبدعان الزوجان Fred & Liliane Funcken عبر أربع صفحات من عدد مجلّة tintin (النسخة الفرنسيّة) رقم ٥٠٧ الصادر في العاشر من تمّوز عام ١٩٥٨.


تبدأ الرواية في قصر وزير إنجلترا المقيم في الخرطوم Charles George Gordon (١٨٣٣ - ١٨٨٥) عندما دخل عليه رسول من محمّد المهدي يخيّره بين اعتناق الإسلام والقتل. استغلّ المهدي - حسب الكاتب - على رأس جماعته من الدراويش المسلمين الشرسين المتعصّبين نقمة السودانييّن الرازحين تحت ضرائب خديوي مصر في ذلك الوقت فأعلن الجهاد عام ١٨٨٤. رفض غوردون دعوة المهدي بإباء وشمم (أو أنّه مثل فرعون "أبى وتكبّر" حسب قناعة القارئ) قائلاً لرسوله: "لا بدّ أنّ سيّدك مجنون حتّى يجرؤ ويطلب منّي أن أرتدّ عن ديني إخرج فوراً وقل له ألّا يفكّر في الاتّصال معي ثانيةً!" 


يعكس ردّ الجنرال Gordon هنا معتقدات أوروبّا المسيحيّة حتّى منتصف القرن العشرين أمّا اليوم فأغلب الأوروبييّن الغربييّن - باستثناء أقليّاتهم الدينيّة وخصوصاً الإسلاميّة - علمانيّون (لا دينيّون أو لا أدريّون) ولربّما وجدوا حواراً من هذا النوع أقرب إلى الهزل منه إلى الجدّ. 


عانى Gordon آنذاك من صعوبات لوجستيّة هائلة تمثّلت في موقعه على بعد آلاف الكيلومترات من أقرب تمركز عسكري بريطاني يستحقّ الذكر واعتماده - مكره أخاك لا بطل - على قطعات سودانيّة ومصريّة وتركيّة (من الباشي بوزوق) مشكوكة الولاء وسيّئة التدريب في الوقت الذي تمتّع فيه "المعتوه المتعطّش للدماء" أي المهدي حسب معاون Gordon بتأييد خمسين ألفاً من المحاربين المتأهّبين للزحف على الخرطوم على الفور بمجرّد إشارة من زعيمهم. 





بشّر استيلاء المهدي على بربر وقيام "دروايشه" بذبح وسبي خمسة آلاف من أهلها بالكارثة المقبلة وأدّى إلى هياج "الرأي العام" البريطاني عندما قامت مظاهرات تنادي بإنقاذ "بطلنا العالمي غوردون" (مجموعة الصور الثانية) واستدعت الملكة فيكتوريا رئيس وزرائها Gladstone وانتزعت منه تعهّداً بنجدة Gordon.





لم يقدّر لبطل إنجلترا أن يتلقّى العون المنشود في الوقت المناسب ونجح المتمرّدون الأشرار (أو الثوّار الأبطال حسب المنظور) في اقتحام الخرطوم ونرى في مجموعة الصور الأخيرة Gordon يواجه الموت بكل شجاعة ورباطة جأش بينما يخاطبه أحد المهاجمين مسدّداً حربته إلى صدر الجنرال  "هاك أيّها الكلب المسيحي". كان مقتل Gordon في السادس والعشرين من كانون ثاني ١٨٨٥. 


تعيّن على بريطانيا - كما يتابع الحكواتي في الخاتمة - أن تنتظر ثلاثة عشر عاماً قبل أن تستطيع الثأر لمصرع بطلها وكان ذلك في الثاني من أيلول عام ١٨٩٨ على يد اللورد Kitchener وجنوده (منهم الشابّ الواعد Winston Churchill) الذي استطاع أن "يستأصل شأفة الدراويش المشؤومين إلى الأبد ليرتفع علم Union Jack مجدّداً فوق قصر الوزير المقيم في الخرطوم حيث أنقذت بطولة Gordon في الماضي الشرف البريطاني".


دام السودان "الإنجليزي - المصري" من ١٨٩٩ حتّى ١٩٥٦. 





No comments:

Post a Comment