Thursday, August 1, 2024

جامع دمشق الكبير في مطلع القرن الثامن للميلاد

 


الأسطر التالية مقتبسة بتصرّف عن كتاب الدكتور آلان جورج (صفحة ١٨٢): 


عاين الواقف في إحدى زوايا الجامع الأموي عام ٧١٥ للميلاد مشهداً مختلفاً إلى درجةٍ كبيرة عمّا هو الحال اليوم.


كان جامع دمشق الأصلي فضاءً مفتوحاً فصلت الستائر حرم الصلاة فيه عن الصحن، عوضاً عن الأبواب التي نشاهدها اليوم. أنّى وجّه الناظر عينيه فلن يجد ما يحدّ بَصَرَهُ في المعبد الفسيح بعقوده وأعمدته وألواح فسيفسائه. أحاطت قناطرٌ من الأعمدة القورنثيّة التيجان بالصحن المركزي وغطّت الفسيفساء الجدران فوق الأعمدة بالكامل سواءً المطلّة على الصحن أم في في حرم الصلاة المسقوف بخشب الساج مع قبّة النسر فوق المجاز المعترض. شملت زخارف جدران الحرم أيضاً الكرمة والألواح الرخاميّة والنقش الكتابي الفيسفسائي المذهّب على خلفيّةٍ من اللون الأزرق أو الأخضر الداكن. 


تشدّ القبلةُ النظر بالمحراب الذي يتوسّطها تحت قبّة النسر والأسطر الأربعة من النقوش الكتابيّة بمحاذاة شريط الكرمة بينما تتخلّل الأعمدة الرخاميّة الملوّنة الحرم وتتلألأ العناصر الزخرفيّة تحت نور الشمس عبر النوافذ العديدة في الجدران. 

هذا خلال النهار أمّا في الليل فالانطباع مختلفٌ وإن لم يقلّ بهاءً بفضل المئات من المصابيح الزيتيّة المتدليّة من السقف.


أتت غوائل الدهر وكوارثُهُ على الكثير من هذه الروائع التي نلمحُ آثارها اليوم هنا وهناك وغيّرت الترميمات المتلاحقة الجامع الأصلي إلى ما نعرفه اليوم وإن بذل الحرفيّون جهدهم في استعمال العناصر الأصليّة عبر العصور بدلالة ما كتبه ابن كثير عن المساعي في أعقاب حريق ١٠٦٩:


"وكان جميعُ ما سقطَ منه من الرخام وغيره من الأخشاب مودعاً في المشاهد الأربعة، شرقيّة وغربيّة".


بعبارة ثانية تمّ تخزين ما وفّره الحريق من الرخام والخشب بغية استعماله في الترميم اللاحق كما استُعْمِلَت هياكل الجدران والأعمدة المتبقيّة وسائر ما لم يتلف في حريق ١٨٩٣ لإعادة بناء الجامع في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. 


سبق القول أنّ جامع بني أميّة الحالي أشبه - حسب تعبير الدكتور جورج - بطرس palimpsest حجري منه بصورة طبق الأصل لمأثرة الوليد بن عبد الملك.



اللوحة الملحقة للجتمع مأخوذة من "كتاب البُلْهان" الذي جَمَعَهُ عبد الحسن الأصفهاني في أواخر القرن الرابع عشر للميلاد. لا ريب أنّ الخيال لعب دورَهُ فيها ولكنّها تبقى من أقدم الرسوم المعروفة للجامع، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق.  


















Alain GeorgeThe Umayyad Mosque of Damascus. Art, Faith and Empire in Early Islam. Gingko, 2021.

No comments:

Post a Comment