قد يبدو منشور اليوم خروجاً عن مشروع فهرس متحف دمشق الوطني الذي باشَرتُ بِهِ صيف ٢٠٢٤ والي لا زلت في مُسْتَهَلِّهِ إلى اليوم. التفسير بكل بساطة هو الكمّ الكبير من مقتنيات متحف دمشق الحورانيّة المصدر، بما في ذلك جبل العرب. هناك عددٌ من هذه المقتنيات جُمِعَ في الأصل في متحف السويداء وكُتِبَ عنه للمرّة الأولى على هذا الأساس ليجدَ بالنتيجة طريقَهُ إلى متحف دمشق بعد سنوات. أقتصر في الأسطر التالية على اختزال ما كَتَبَه عالِم الآثار الفرنسي Dunand عن نشأة متحف السويداء في الصفحات التسع الأولى من المرجع أدناه. منظور الصورة (الثانية في أسفل اللوحة) الملحقة من الشمال والشرق إلى الجنوب والغرب وتاريخها عام ١٩٢٥ أي قبل مائة سنة بالتمام والكمال.
يعود الفضل في الدراسة المنهجيّة لآثار حوران إلى همّة الكاپتن Carbillet، الحاكم الثاني لدولة جبل الدروز (بعد وفاة سليم باشا الأطرش). لَفَتَ غنى الإقليم بالعاديّات همّة هذا الضابط اللبيب فتواصل مع مديريّة الآثار وبالنتيجة رصدت أكاديميّة النقوش الكتابيّة والآداب مبلغ عشرة آلاف فرنك لأعمال السبر والتنقيب في السويداء التي وصل إليها Dunand في الثالث عشر من شباط فبراير عام ١٩٢٥.
اتُّخِذَ القرار بإقامة المتحف في العراء. لا ريب أنّ الاعتبارات الماديّة لَعِبَت دورَها يد أنّ Dunand لم يجد الموضوع ذي بال على اعتبار أنّ كافّة القطع المعنيّة بازلتيّة لا خوف عليها من عوامل الطبيعة. حدود المتحف (الموقع شمال شرق "قرية" السويداء) نقلاً عن المؤلِّف هي التالية:
- في الجنوب بناء مستطيل الشكل كان سابقاً مدرسة.
- في الشرق بركة الحجّ.
- في الشمال طريق صلخد.
- في الغرب الطريق الذاهب إلى شرق القرية.
تبيّن بسرعة أنّ هذه المساحة (أو "الحظيرة" enclos كما أسماها المؤلّف) غير كافية وبالتالي جرى تحديد حظيرة ثانية (الصورة الأولى في أعلى اللوحة) إلى الشمال منها ومن طريق صلخد الفاصل بين الحظيرتين. تظهر الحظيرة الثانية في مقدّمة الصورة ونلاحظ أنّ الضلع الشمالي هو الوحيد المسيّج بين أضلاعها الأربع.
ألهب هذا المتحف مشاعر الأهالي وتبارت القرى الدرزيّة في تقديم العاديّات إلى درجة أنّ البعض لم يتردّد في التزوير كي لا يبدو إسهام قراهم أقلّ من جيرانهم. توخّى الفرنسيّون اللباقة في تعامُلِهِم مع الأهالي ولم يرفضو أيّة قطعة حتّى الواضحة التزييف منها مراعاةً لمشاعر الناس وحرصاً على استمرار اهتمامهم.
اندلَعَت الثورة السوريّة الكبرى (أو عصيان الدروز حسب الفرنسييّن) في العشرين من تمّوز يوليو عام ١٩٢٥ وتعرّض المتحفُ الفتيُّ ومحتوياتُهُ للإتلاف والنهب. حاول الفرنسيّون تخزين ما أمكنهم من القِطَع في الكفر (بنجاح) وصلخد (فُقِدَت كافّة التحف التي جرى تخزينها في هذه البلدة) ومن الجدير بالذكر أنّ Dunand لم يستَطِع العودة إلى السويداء قبل تشرين أوّل أكتوبر عام ١٩٢٧ ليجد المتحف مخرّباً كلّ التخريب والكثير من كُنوزِهِ مفقودةً إلى غير رجعة.
علّ هذه العجالة كافية لتفسير وصول بعض عاديّات متحف السويداء الأصلي إلى متحف دمشق لاحقاً. قصّة إعادة تشكيل متحف السويداء خارجة عن سياق السرد الحالي.
No comments:
Post a Comment