Thursday, April 9, 2015

حبوب منع النفاق



يعود المسلسل المصري أرض النفاق إلى العام ١٩٧٥ وهو متوافر على اليوتوب لمن لديه نوستالجيا لكوميديا القرن الماضي. أبطالُهُ مجموعةٌ من النجوم بينهم فؤاد المهندس، صفيّة العمري، نبيلة السيّد، ونظيم شعراوي. لعب هذا الأخير دور وكيل الوزارة الفاسد أحمد بيه الجمّال والقصة بالمختصر المفيد أنّ الدكتور باهر (حسن عابدين) اخترع "حبوب منع النفاق" التي بمجرّد أن يتناولها المنافق يصبح صادقاً و صريحاً إلى درجة الوقاحة كما حصل لنادل المقهى الذليل حليشة (فاروق علي) الذي تحول من مداهنة الزبائن بأخسّ العبارات إلى قولِ رأيه الحقيقي فيهم لا بل وإهانتهم. جرّب فؤاد المهندس (الأديب حامد عبد السلام) حبوب الدكتور باهر على أكثر من شخص ولم تكن النتائج دائماً إيجابيّة وكما قال رئيس وزراء إنجلترا السابق ونستون تشرشل: "تحتاج الحقيقة إلى جيشٍ من الأكاذيب لحمايتها".  

النفاق مجبولٌ في طبيعة البشر وهناك حالة خاصّة منه متفشّية على طول وعرض الوطن العربي المزعوم مفادُها تملّق الحاكم وعبادة الفرد. من البدهي أنّ هذه الظاهرة قديمةٌ للغاية منذ أيام النابغة الذبياني وعلي بن الجهم، إن لم نقل منذ أيام الإله-الملك فرعون. لا تزال هذه العادة حيّةً في أوج عنفوانها في مطلع القرن الحادي و العشرين وإن تغيّر أسلوب الأداء مع ارتقاء التقنيّة: قديماً كان اختصاص المداهنة حكراً على الكّتاب والشعراء أمّا اليوم فلدينا أيضاً المغنّين والملحّنين والفرق الموسيقيّة ناهيك عن الصحف والإذاعة والتلفزيون والأقمار الصناعيّة والشبكة العنكبوتيّة. علاوة على كلِّ ذلك زاد عدد الناس كثيراً و أصبح إنزال حشودٍ غفيرة إلى الشوارع وتسجيل مسيراتها وهتافاتها "العفويّة" بالصوت والصورة في حيّز الإمكان.

هذا لا يعني بالضرورة أنّ كل من نَظَمَ شعراً وكلّ من غنىّ لحاكمٍ منافقٌ ومنتفعٌ. على سبيل المثال كان شاعر دمشق العظيم نزار قبّاني ناصريّاً على حياة عبد الناصر و أصبح أكثر ناصريّةً بعد موت هذا الأخير، بيد أنّ أمثال نزار قليلون. بالمقابل ما أكثر نموذج أصالة نصري التي غنّت "حماك الله يا أسدُ فداك الروحُ و الجسدُ" قبل أن ينزل عليها الوحي وتباشر بتمسيح الجوخ لملك البحرين على مبدأ "من تزوّج أمّي فهو عمّي". أصالة بالطبع غيضٌ من فيض ويبقى مطرب وملحّن مصر العملاق محمّد عبد الوهّاب من أكبر المداهنين في تاريخ الشرق الأدنى ولعشرات السنوات، إن لم يكن أكبرهم على الإطلاق.

أُطْلِقَ على عبد الوهّاب في النصف الأول من القرن العشرين لقب "مطرب الملوك" ولم يكن في هذا أي مبالغة كونه غنّى لملك العراق فيصل الأوّل، وعاهل مصر فاروق، وباني السعوديّة عبد العزيز قبل أن "يهتدي" ويشدو لعبد الناصر والثورة إلى أن أصبح ساداتيّاً ونال رتبة جنرال مكافأةً على تزلّفِهِ. 

مع ذلك يبقى عبد الوهاب مبدعاً حتى عندما يمارس النفاق الرخيص كما فعل في أغنية "أنشودة الفنّ" الجميلة التي غنتها أيضاً ليلى مراد بصوتها العذب. هكذا خاطبَ عبد الوهّاب الملك فاروق:
الفنّ مين يوصفه إلّا اللّى عاش فى حماه
والفنّ مين يعرفه إلّا اللّى هام فى سماه
والفنّ مين أنصفه غير كلمة من مولاه
والفنّ مين شرّفه غير الفاروق ورعاه
إنت اللّى أكرمت الفنّان ورعيت فنّه
ردّيت له عزّه بعد ما كان محروم منّه
ورويت فؤاده بالألحان برضاك عنّه

ما أحوج العالم بأسْرِهِ إلى الدكتور باهر وحامد عبد السلام وحبوب منع النفاق.