لكلّ حكومةٍ مناصروها وخصومهُا ولا تخرج الحكومة السوريّة عن هذه القاعدة. موقف المعارضة السورية ومَن ورائها مِن حكومة الأسد معروفٌ ولا نيّة لي في التعليق عليهِ. أقتصِرُ هنا على التطرّق لوجهة نظر بعض المفكّرين العرب أو من أصولٍ عربيّة ممنّ لا أشك في نزاهتهِم ولا التزامِهِم بما يعتقدونَه حقّاً و عدلاً.
علّ الدكتور أسعد أبو خليل، صاحب مدوّنة "وكالة أنباء العربي الغاضب" (مواليد لبنان عاش معظم حياتِهِ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة)، أفضل من يمثّل هذه المدرسة. لا أخفي أننّي أتابع كِتاباتِهِ بشكلٍ شيه يومي وكنت ولا زلتُ معجباً بسعةِ عِلْمِهِ وّحدةِ ذِهْنِهِ والحضور الدائم لقريحَتِهِ. أُضيف أنّ الدكتور أبو خليل كما يعرّف نَفْسَهُ شيوعي ملتزم ولا ديني يكره الطائفيّة بكلِّ أشكالِها ويزدري الأنظمة العربيّة الرجعيّة وما يسمّى في أيّامِنا بالثورة السوريّة. أخيراً وليس آخراً الرجل مناصر متحمّس للقضيّة الفلسطينيّة وعدوٌّ لدودٌ لإسرائيل والصهيونيّة.
قامت إسرائيل قبل يومين بإغتيال سمير القنطار في جَرَمانا وسارع الدكتور أبو خليل مشكوراً بكتابة ونشر مرثاة مؤثّرة عن الفقيد لخّص فيها خصوصاً تاريخَ كفاحِهِ ضدّ الصهاينة. يمكن الإطلاع على النصّ الكامل بالعربيّة على صفحة أبو خليل والإنجليزيّة على مدوّنتِهِ.
لم يقتصر الدكتور أبو خليل على إدانةِ عدوان إسرائيل ونفاق عرب الخليج وأزلامِهِم، بل جَنَحَ كعادَتِهِ إلى مهاجمة الحكومة السوريّة واتّهامها بالتقصير في حماية القنطار وأمثالهِ من الأبطال، وأنّ الشغل الشاغل لهذه الحكومة وهمُّها الوحيد، حماية رجال النظام القَتَلة الفاسدين، وأنّ مقاومتها لإسرائيل تتلخّص "بالاحتفاظ بحقّها في الردّ في المكان والزمان المناسِبَين".
ليس عندي ذرّةٌ من الشكّ أنّ أبو خليل مخلصٌ حَسَن النيّة، تشهدُ على التزامِهِ سنواتٌ طويلةٌ كتب فيها وحاضَرَ وتحدّثَ ودافع عمّا يعتبرهُ قضايا عادلة. أضِف إلى ذلك أنّ الحكومة السوريّة ليست قطعاً بالمنزّهة لا بل هي بعيدةٌ عن الكمال وتحتضِنُ إلى اليوم أشخاصاً فاسدين في أرفع المستويات، علاوةً على تقصيرها الفاضح على عدّة أصعدة أذكُرُ منها على سبيل المثال وليس الحصر: فشلها في حماية البيئة والبنية التحتيّة، فصل الدين عن الدولة، احتواء التزايد السكّاني، الحفاظ على استبباب النظام، والعدل بين المواطنين... لا يبرّر هذه العيوب القول أنّها موجودةٌ في معظم دول الشرق الأوسط بل والعالم أجمع بدرجاتٍ متفاوتة.
ما أطلبه فقط هو بعض الواقعيّة والموضوعيّة وتسليط الضوء على بعض النقاط الهامّة لتكتمل الصورة:
١. سوريّا كانت ولا تزال أضعف من إسرائيل بكثير ولأسبابٍ لا علاقةَ لها ببطولة هذه الأخيرة أو جبن حكومة دمشق لا من قريب ولا من بعيد. كنت ولا زلت أعتقد أنّه لو تخلّى الأسد عن الجولان وطبّع مع تلّ أبيب لما كان هناك "ربيعٌ عربي" في سورّيا والدليل ما حصل أو بالأحرى لم يحصل في الأردنّ.
٢. نعم! فشلت القيادة السورية في حماية سمير القنطار ولكنّها فشلت أيضاً في حماية آصف شوكت وداود راجحة وحسن تركماني و غيرهم من أعمدة النظام ممّن يعتبرهم الدكتور أبو خليل مافيا من اللصوص و القَتَلة. صحيح أنّ إسرائيل لم تقتل هولاء ولكن يمكن القول أنّ من قتلوهم يلعبون لعبة إسرائيل عمداً أو جهلاً.
٣. يعيب الدكتور أبو خليل على مناصريّ النظام السوري تهليلَهم للتدخّل الروسي وآمالهم المبالَغ فيها فيما يمكن أن يحقّقه هذا التدخل. كلامٌ جميل، ولكن هل هناك بديلٌ مقنعٌ لروسيا؟ هل يستطيع أي مفكّر شبه موضوعي أن يزعم أن سوريّا تستطيع مجابهة إعلام الغرب وتسليح وتمويل الخليج وجهاديّي العالم الذين يعبرون إليها من تركيّا وغيرِها دونَ مساعدةٍ خارجيّة؟
ختاماً لا يوجد معارضة مشروعة عندما يكون الوطن في خطر لا تحت الأنظمة السلطويّة ولا الديمقراطيّة، ناهيك عن معارضة مسلحة مع كامل احترامي لكلّ رأيٍ مخالف من محبّي سوريّا وهم كثيرون، ومع تقديري للدكتور أبو خليل الذي تبقى نقاط التلاقي بينَه وبيني أكثر بكثير من نقاط الخلاف.