المؤلف ابن شداد
حلبي المولد وقد التجأ إلى مصر فراراً من
المغول عام 657 للهجرة
وأقام فيها 10 سنوات
انتقل بعدها إلى دمشق (والتي
كان يعرفها جيداً إذ أقام بها لمدة عدة
سنوات في أواخر العهد الأيوبي)
وبالنتيجة وافته
المنية في القاهرة عام 684 للهجرة
الموافق 1285 للميلاد
ودفن هناك.
استغرقت كتابة
"الأعلاق
الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة"
حوالي عشر سنوات
وتم إنجاز العمل قبل وفاة ابن شداد بأربع
سنوات وموضوع البحث هنا هو الجزء المتعلق
بمدينة دمشق والذي حققه وفهرسه وعلق عليه
سامي الدهان ونشره المعهد الفرنسي للدراسات
العربية بدمشق عام 1956. اعتمد
الدكتور دهان علع مخطوطتين تاريخيتين
لعمل ابن شداد إحداهما مخطوطة لندن ولتي
أصبها تلف كبير من جراء الرطوبة والثانية
مخطوطة ليدن المحفوظة في هولندا كما قارن
عمل ابن شداد عن تاريخ دمشق بعمل إبن عساكر
الذي سبقه بقرن من الزمن. لمن
يرغب بقراءة النص الكامل للكتاب ومقدمة
الدكتور دهمان أرفق رابطاً للتحميل وهو
بطبيعة الحال بالمجان.
بقتبس ابن شداد عن
ابن عساكر الكثير الكثير من أصول المدينة
الأسطورية وبناتها بضم الباء (والتي
تعتمد إلى حد كبير على النصوص الدينية)
إلى أبوابها وقلعتها
وجامعها (الأموي)
ومساجدها العديدة
وهلمجرا. سأضرب
صفحاً عما نقل عن ابن عساكر لأركز على ما
أضافه ابن شداد وهو ليس بالقليل وهذا
متوقع إذا أخذنا بعين الإعتبار الفارق
الزمني بين العالمين.
في البداية تحسن
الإشارة إلى اختلاف الأسلوب: ابن
شداد أقل اهتماماً بالإسناد وإن حاول
جهده أن يبين مواضع المعالم التي يعددها
من خلال النص في زمن لا يعرف خرائط المدن.
أضيف أن المعلومات
عن أبعاد المباني وهندستها وزخرفتها
وكسوتها معدومة بالكامل (لربما
كان ابن جبير الأندلسي أول من وصف الجامع
الأموي بشكل علمي وهو طبعاً سابق لإبن
شداد ولكن لا يوجد ما يشير أن هذا الأخير
كان مطلعاً على ما كتبه الرحالة الشهير
في عهد كانت فيه وسائل الإتصالات بدائية)
وكان اهتمام ابن
شداد وابن عساكر منصباً عما أنفق في بناء
الجامع ومن أمر بترميمه وكيف مول هذا
الترميم.
بذل ابن شداد قصارى
جهده في تعداد المعابد داخل وخارج سور
المدينة والتي زادت عن 600 مسجد
منها الكثير مما استجد منذ عهد ابن عساكر
أما الكنائس فلم يتجاوز عددها 15
بما فيها كنيس اليهود
ويمكن تفسير هذا بأكثر من طريقة:
لربما كانت المعابد
المسيحية واليهودية (باستثناء
الجامع الأموي) تتسع
لعدد أكبر من المصلين أو لربما كانت هناك
قيود على بنائها وفي كل الأحوال الصورة
الناتجة هي لمدينة يغلب عليها الطابع
الإسلامي وأكثرية سكانها من المسلمين
مقارنة مع العهد الأموي والذي كان الوضع
فيه يختلف 180 درجة
حسب ما نملك من المعطيات.
هذا لا يقلل بالطبع
من أهمية واستمرارية الوجود المسيحي في
دمشق كما نرى من خلال بضعة صفحات خصصها
ابن شداد للأديرة التي كان المسلمون
ينشدون الأشعار في حسنها ولذة مذاق خمورها
والتي ارتادها خلفائهم للقصف وشرب الراح
من الأموي الوليد إلى العباسي الرشيد على
مبدأ "فمنا
الوليد ومنا الرشيد".
لإبن شداد فضل إضافي
على تاريخ دمشق فهو أول من خصص باباً
للمدارس فيها والتي بلغ عددها 92
ويجب التنويه هنا
أن الأغلبية الساحقة من هذه المدارس لا
تخرج عن كونها مؤسسات دينية إسلامية
معظمها للمذهبين الحنفي والشافعي وتشمل
فقط مدرستين للطب. كل
ما أورده ابن شداد عن هذه المدارس يتلخص
عملياً بمن أنشأها ومن علم فيها حتى عهده
دون أي تفاصيل إضافية.
خصص ابن شداد فصلاً
مستقلاً لتعداد حمامات دمشق والتي زادت
من 57 في عهد
ابن عساكر إلى 85 في
عهده دون ذكر ما وقع منها خارج أسوار
المدينة وهنا يقتصر سرده على ذكر الحمام
دون أي تفاصيل أخرى وإن ذكر أحياناً موقعه
باختصار شديد.
آخر 60 صفحة
من الكتب تفصل في "فضل
المدينة وما مدحت به نثراً ونظماً"
بداية من القرآن
(إذا سلمنا
ان دمشق هي "إرم
ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد"
على سبيل المثال)
والسنة عن ابن عساكر
عن أبي هريرة وغيرهم ونهاية بما قاله بها
الشعراء والأدباء فيها وفي غوطتها وأنهارها
وأشجارها وثمارها وفيه الكثير مما هو
جدير بالقراءة.
مع جزيل الشكر
للدكتور دهان والمعهد الفرنسي للدراسات
العربية وفضلهم في إنقاذ هذا الكتاب
الثمين وتدقيقه ونشره يهذا الأسلوب الأخاذ
حتى تتعرف عليه الأجيال اللاحقة.
فلتحيا دمشق وتحيا
سوريا!
https://archive.org/details/aco000021_lo